((لو رجع سيدنا المسيح إلى العالم لما عاش إلا قليلاً، إنه سيرى الإنسان لا يزال بعد ألفي سنة مشغوفاً بالشر والإفساد والقتل والفتك بيني نوعه، والنهب والإغارة، بل إن أكبر حرب في التاريخ قد استغرقت دم جسم الإنسانية وأهلكت الحرث والنسل حتى أصابت الناس مجاعة، وماذا يرى السيد المسيح يا ترى؟ هل يرى الناس يتصافحون كالإخوان والأصدقاء؟ لا. بل يراهم يتهيأون لحرب أشد هولاً من الأولى وأعظم فتكاً وتعذيباً؛ يراهم يتسابقون في اختراع الآلات الجهنمية ويبتدعون وسائل التعذيب (?)) .

وليس اشتغال هذه الشعوب بالعداوة والحروب فيما بينها، وما هذه القومية والوطنية الخ إلا لانصراف هذه الشعوب عن عداوة عدوها الحقيقي ونسيانها له، فالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكل، وكما قال الشاعر الجاهلي:

وأحياناً على بكر أخينا *** إذا ما لم نجد إلا أخانا

فإذا عرفت عدوها وعرفت ضرره على نفسها، وعرفت خطره وقوته كان ذلك مشغلة لها عن كل حرب وعداوة وشح ومنافسة وأحقاد وهمية وتراث مصطنعة. وقد قالت العرب قديماً: ((عند الحفيظة تذهب الأحقاد)) وهكذا جعل محمد صلى الله عليه وسلم من قبائل العرب المتعادية التي كانت سيوفهم تقطر من دمائهم كالأوس والخزرج في المدينة، وبني عدنان وبني قحطان في الجزيرة، والأجناس المتباينة في العالم، أمة واحدة ومعسكراً واحداً إزاء الكفر والجاهلية، إذ جعل لها في خارجها ما تكرهه وتعاديه، وهو الباطل والطاغوت ووكلاؤه وأنصاره، وشغلها بحربه وقرأ: {الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} فنسيت أحقادها وتراثها ولم تتذكرها إلا لما انصرفت عن عدوها وتشاغلت عن قتاله ومعاداته فكانت حروب داخلية وفتن يعرفها الجميع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015