الأدبية، بل كانت

لغتها قاصرة في التعبير عن الأفكار والمعاني العالية، فغُلب الروم بتخلفهم وقصورهم في العلم، وانقلبوا صاغرين للمدنية اليونانية التي غُلب أهلها في السياسة، ولم يزالوا مأخوذين بسحرهم في كل قسم من أقسام العلم، فكان المؤرخون الأقدمون في الروم يؤلفون كتبهم باليونانية، واستمرت اليونانية لغة التأليف والعلم بعد ما بدأ شعراء الروم ينظمون الشعر في اللاتينية)) .

ولم يكن هذا الخضوع خاصاً في عالم التأليف والأدب فحسب، بل غلبت المدنية الإغريقية المدنية الرومية في الأخلاق والسجايا والعشرة والاجتماع وفي العواطف والنزعات، وفي كل ناحية من نواحي الحياة العامة، وأصبح الروم يقلدون الإغريق ويتنبلون بذلك ويتظرفون.

وهكذا انتقلت الفلسفة اليونانية والثقافة اليونانية، بل النفسية اليونانية إلى الروم، وجرت منهم مجرى الروح والدم، ولم يكن الروم - بطبيعتهم الأوروبية - يختلفون عن اليونان في الخصائص الفطرية كثيراً، بل هناك شبه عظيم بين الأمتين، إيمان بالمحسوس وغلو في تقدير الحياة وشك في دين، وضعف في يقين، واضطراب في العقيدة، واستخفاف بالنظام الديني وطقوسه، واعتزاز بالقومية وتعصب لها، وحب مفرط للوطن. زد إلى ذلك كله اعتداداً بالقوة واحتراماً زائداً لها يبلغ العبادة والتقديس.

يظهر من التاريخ أنه لم يكن للرومان إيمان راسخ في دينهم، وإني أعذرهم في ذلك، فإن النظام الديني الوثني الخرافي الذي كان سائداً في رومية يقتضي بطبيعته الشك والاضطراب وضعف الإيمان، فكلما تقدموا في العلم وتنورت أفكارهم، ازدادوا استخفافاً به، وقد قضوا من أول يوم أن الآلهة لا يدخل لهم في السياسة وأمور الدنيا.

يقول (سيسرو Cicero) :

لما كان الممثلون ينشدون في دور التمثيل أبياتاً معناها أن الآلهة لا دخل لها في أمور الدنيا يصغي إليها الناس ويسمعونها بكل رغبة.

ويقول الراهب (أغستين صلى الله عليه وسلمuguostine) :

((إن الروم الوثنيين كانوا يعبدون آلهتهم في المعابد ويهزأون بهم في دور

طور بواسطة نورين ميديا © 2015