- أولهما: أن هذه العقوبات تأتى بعلم الله وإذنه ومشيئته {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران:166]. {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ} [النساء:90].
- وثانيها: أن هذه العقوبات صورة من صور التأديب الإلهي للأمة، لأنها تخلت عن رسالتها، ولم تعمل بما تضمنته، وتركت مهمة توصيلها وإبلاغها للبشر جميعا {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:165].
- وثالثهما: أن هذه العقوبات، وسيلة قوية لإيقاظ الأمة وإفاقتها من غفلتها، وإعادتها إلى رشدها {وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48)} [الزخرف].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لاينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" (5).
لايمكن للأمة ان تؤدي أمانة البلاغ، ومن ثم الشهادة على الناس إلا إذا تمثلت في أبنائها معاني الرسالة، فيستمدوا منها - بعون الله- القوة الروحية الدافعة للعمل والجهاد، ويستشعروا من خلال تطبيقها الصحيح معنى العزة بالله، فتفيض عليهم السعادة في كيانهم، فينطلقوا راشدين لتحقيق مراد ربهم بأن يكون الدين كله لله.
وحين يهملون تطبيق الرسالة: تنحط اهتماماتهم، وينكفئون على ذواتهم، ويصبح جل تفكيرهم في كيفية تحصيل متطلبات الطين، وشهوات النفس.
من هنا نقول إن نقطة البداية الصحيحة لرفع العقوبات عن الأمة، وتغيير ماحاق بها ونزل بساحتها، هي صلاحها من الداخل {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
فإن لم يحدث ذلك، فستستمر العقوبات والمحن تتوالى عليها، ولن يرفعها مجرد الدعاء أو المساعدات للمنكوبين -على أهميتها- بل لابد من دفع ضريبة التغيير الحقيقي.
وحتى لو هدمت المساجد، وقتل النساء والأطفال هنا وهناك، فلن يرفع البلاء إلا إذا سرنا في طريق التغيير {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} [الإسراء: 8].
أولاً: تغيير وإصلاح المفاهيم والتصورات في العقول، وإعادة بناء اليقين الصحيح فيهما على أساس الإسلام.
ثانياً: إصلاح الإيمان في القلوب وتقوية الإرادة وتحريرها من أسر الهوى، ليتولد عن ذلك قوة روحية، ودافع ذاتي يدفع صاحبه للقيام بما يحبه ربه ويرضاه، مع نفسه ومع الأخرين.
ثالثا: ترويض النفس وجهادها على لزوم الصدق والإخلاص لله عز وجل، مع نكران الذات والتواضع غير المصطنع.
رابعا: التعود على بذل الجهد في سبيل الله، وأن يكون هذا الجهد بالأساس في الدعوة إلى الله وتحبيب خلقه فيه (6).
عندما تكتمل هذه الحلقات الأربع، سيحدث - بإذن الله- التغيير الحقيقي للفرد، ومن ثم الأمة.
إن التغيير المطلوب ليس تغييراً لحظياً بل تغييراً يُحدث أثراً إيجابياً دائماً، وهذا يستلزم التربية الصحيحة لأفراد الأمة .. هذا إن أردنا إصلاحاً حقيقياً لها.
ولنعلم جميعا أنه مهما ألقيت الدروس والمواعظ، ومهما نثرت المقالات إلا أنها -مع أهميتها- لن يكون لها نفع حقيقي ودائم إلا إذا مُورست من خلال منظومة تربوية تُعنى بإحداث أثر إيجابي دائم -وليس لحظيا- ينتج
عنه ظهور المؤمن الصالح المصلح، الذى تتأسس عليه الأسرة الصالحة ثم المجتمع الصالح.