الألبان، ويفتقرون إلى الحبوب والأدم، هم أحسن حالًا في جسومهم وأخلاقهم وأذهانهم من أهل التلول الحضر المنغمسين في العيش الرغيد! " ويستشهد ابن خلدون للدلالة على صحة رأيه بمقارنة البدو من عرب وبربر في مناطق شمال أفريقيا بغيرهم من الحضر، بل يتجاوز ذلك إلى مقارنة غير الإنسان من حيوانات في القفار بنظائرها في الأمصار، فيجدها متفوقة في الأولى على الأخيرة، كما هو حال المها مع البقرة، والحمار الوحشي مع الحمار الأهلي، والغزلان مع الماعز!
لذلك لم تكن المرأة العربية الحرة قبل الإسلام تزني كنساء فارس مثلًا، ولم يكن العرب يكذبون أصلًا كما رأينا في قصة الصحابي الجليل أبي سفيان مع هرقل، ولم يكن العربي يجبن أمام العدو أو يُربط بالسلاسل حذر الهرب! بل إن قريشًا قامت بعقد "حلف الفضول" الذي مدحه الرسول بعد الإسلام، فتصوير العرب في الجاهلية بأنهم أناسٌ حمقى متخلفون ما هو إلا شيءٌ عارٍ تمامًا من المصداقية التاريخية، بل إن في ذلك طعنٌ في أصل رسول اللَّه، فالرسول قالها علانية: "ما بُعثت إلا لأتمم مكارم الأخلاق" ولم يقل لكي أصنع أخلاقًا جديدة! فمكارم الأخلاق كانت موجودة بالفعل عند العرب، ولكنها كانت تحتاج إلى توجيه، فبدلًا من الموت في سبيل القبيلة، أصبح هناك مفهوم جديد اسمه "الموت في سبيل اللَّه"، وبدلًا من الكرم الحاتمي، أصبح هناك مفهوم "الزكاة"، والإيمان باللَّه كان موجودًا أصلًا بين القبائل العربية، ولكنه كان يحتاج إلى تصحيحه نحو التوحيد! فتخيل معي لو أن محمدًا قد بُعث بين الفرس الذين يؤمنون بأن النار هي اللَّه، وبأن الرجل يحق له التمتع جنسيًا بأمه، فهل كانت مهمته ستكون أسهل أم أعقد؛ ولقد وجدت عند النصارى في "الكتاب المقدس" في سفر "التكوين" بشارة من اللَّه لنبيه (إبراهيم) يبشره بأمة عظيمة من نسل (هاجر): (12: 12. . وابن الجارية أيضًا سأجعله أمة عظيمة)!
وعلى عكس ما يعتقده البعض. . . فإن كثيرًا من الصحابة العرب كانوا يقرأون ويكتبون، ولكن أيًا منهم لم يكن فيلسوفًا (وللَّه الحمد!)، والطريف أنني سمعت عالمًا شيعيًا يذم العرب لأنهم كانوا بدوًا مفتقدين للتفسيرات الفلسفية، لذلك لم يفهموا القرآن كما فهمه الفرس أصحاب الفلسفة الزرادشتية، والحقيقة أن ذلك الشيعي الفارسي