يدعوهم للإسلام حتى قال بعضهم لبعض: "يا قوم، تعلمون واللَّه إنه للنبي الذي تدعوكم به اليهود، فلا تسبقنكم إليه" فأعلنوا إسلامهم على التو واللحظة. ولكن السؤال الذي غاب عن ذهن الكثيرين من دارسي السيرة، ألا يستغرب البعض بأن اليهود استوطنوا "يثرب" بالذات وما حولها من بلدات مثل "خيبر" و"تيماء"؟!! الحقيقة أن اليهود كانوا ينتظرون نبي آخر الزمان في تلك المنطقة لعلمهم بأنه سيهاجر إليها, ولقد رأينا في قصة سلمان الفارسي أن صاحب عمورية أوصاه بالهجرة إلى يثرب وإن لم يحددها بالاسم، ولقد وجدت في "الكتاب المقدس" شيئًا عجيبًا يدل على معرفتهم التامة بمكان هجرة الرسول، فقد ورد في (سفر أشعياء) الإصحاح 21 ما يلي: " (وحي من جهة بلاد العرب. في الوعر في بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين 13 هاتوا ماء لملاقاة العطشان يا سكان ارض تيماء وافوا الهارب بخبزه 14 فانهم من امام السيوف قد هربوا. من امام السيف المسلول ومن امام القوس المشدودة ومن امام شدة الحرب 15 فإنه هكذا قال لي السيد في مدة سنة كسنة الاجير يفنى كل مجد قيدار 16) وتيماء تقع شمال المدينة، والمتمعن لهذا الإصحاح يرى فيه قصة الهجرة التي هاجر فيها المسلمون خوفًا من بطش قريش، وقيدار اسم من أجداد قريش، بل يجد أيضًا حربًا ستحدث "في مدة السنة" بعد الهجرة، وهي المدة التي حدثت بعدها معركة بدر الكبرى!!!
العامل الثاني: يوم بُعاث
وهو اسم لمعركة طاحنة وقعت بين أبناء العمومة من الأوس والخزرج بمكيدة من يهود يثرب قبل الإِسلام بخمس سنوات فقط! قتل فيها أعظم زعمائهم وقادتهم الكبار، فأحس الأوس والخزرج أنهم بحاجةٍ إلى رجلٍ حكيمٍ يوحّد صفوفهم من جديد، فكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بمثابة المنقذ للأنصار.
العامل الثالث: الجذور اليمانية!
وهو عنصر مهم أيضًا، فسكان اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبًا من باقي القبائل العربية، واليمنيون هم من رعاة الغنم، والعرب العدنانيون من قريش وغيرهم من رعاة الإبل، فالملاحظ أن رعى الغنم بالذات يحتاج إلى السكينة والهدوء والتأمل الطويل (لهذا رعى كل الأنبياء الغنم!) كما قال موسى: {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي}، وهذا الحديث