" صقر اليمامة" (زيد بن الخطاب)

" ما هبّت الصبا، إلا وجدت منها ريح زيد"

(عمر بن الخطاب)

ما أروعها من كلمات هذه التي تخترق الصدر لتسكن سؤدد القلب!

كلمات خرجت من وجدان عملاقٍ اسمه عمر بن الخطاب، لتحوله إلى طفل صغير يجهش في البكاء طلبًا لحنان أخيه الكبير! كلمات يتذكر المرء فيها لأول مرة أن هذا المارد الضخم الذي دكَّ حصون كسرى وقيصر كان طفلًا في يومٍ من الأيام! نعم. . . . حتى عمر بن الخطاب كان طفلًا يومًا ما!! ولعل ذلك الطفل بقي حيًا أسيرًا بين ضلوعه لا يجد مكانًا له في حياة هذا العملاق، إلّا في هذه اللحظة الذي يتذكر فيها أخاه الكبير! عندها يخرج هذا الطفل من بين ضلوعه وينادي بأعلى صوته بكلمات اختلطت فيها دموع عينه بحشرجات صدره: "أين أنت يا زيد؟ أين أنت يا أخي؟ ".

وواللَّه إن المرء ليستشعر من بين أحرف تلك الكلمات البليغة أيامَ الصبا التي تحدث عنها عمر، وياللعجب! فما كنت أتخيل يومًا أنني عندما أرسم صورة في مخيلتي للمارد عمر بن الخطاب فإنني سأراه فيها طفلًا صغيرًا! ولعمري إني لأرى عمرًا وهو طفلٌ صغيرٌ يسابق أخاه زيدًا الخطى في مراعي مكة وشمس الأصيل تتهادى عليهما في الأفق، حينها كان الأخ الكبير زيدٌ يبطئ من سرعته لكي يتسنى لأخيه الصغير عمر أن يسبقه، ولعلك كنت تعلم وقتها يا عمر بحيلة أخيك تلك، كنت تعلم يا عمر في قرارة نفسك أنه كان يسبقك دائمًا، ولكنك لم تكن تعلم حينها بأنه سيسبقك إلى الإسلام، وسيسبقك إلى الشهادة!

أعلم أن المفترض لهذا الكتاب التاريخي أن يبتعد عن العاطفة في سرده للوقائع التاريخية، وأنه يتوجب على كاتبه أن يعتمد في كتابته على الحقائق التاريخية المجردة من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015