تأملت علمت أن سياق المصنف إنما هو في الصفة السابقة، وهي التي يتمشى عليها التعليل؛ لأنه قد تقدم أنه لو فعله تسننا؛ أي لكونه صلى الله عليه وسلم فعله لم يكره.
أو خيفة اعتقاد وجوبه؛ يعني أن من الأشياخ من ذهب إلى أن العلة في كراهة القبض في الفرض خوف أن يعتقد الجاهل وجوبه؛ وهو للباجي، واستبعده ابن رشد، وضعفه بعضهم، بأنه يؤدي إلى كراهة كلّ المندوبات عند خوف اعتقاد الجاهل وجوبها.
أو إظهار خشوع؛ يعني أن من الأشياخ من ذهب إلى أن علة الكراهة هي مخافة إظهار خشوع ليس في الباطن؛ وهو لعياض، قال أبو هريرة: أعوذ بالله من خشوع النفاق، قيل: ما هو؟ قال: أن يرى الجسد خاشعا، والقلب غير خاشع. وعليه فلا تختص الكراهة بالفرض.
تأويلات؛ أي في ذلك تأويلات خمس: اثنان في النفل، وثلاثة في الفرض، والتعليل الأول في الفرض بغير المظنة -كما مر- بخلاف الأخيرين، وفي القبض ثلاثة أقوال غير الكراهة، أحدها: يستحب في الفرض والنفل، وهو لمالك في رواية مطرف وابن الماجشون وقول المدنيين، واختاره غير واحد من المحققين منهم، اللخمي وابن عبد البر، وأبو بكر بن العربي، وابن رشد، وابن عبد السلام، وعده ابن رشد في مقدماته من فضائل الصلاة، وتبعه عياض في قواعده، ونسبه في الإكمال إلى الجمهور، ونسبه أيضًا الحفيد لهم، وهو أيضًا قول الأئمة الثلاثة الشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد وغيرهم، وكلام الموطإ يقتضي ندبه أيضًا. الثاني: أنه يباح في الفرض والنفل، الثالث: يمنع فيهما، وهو من الشذوذ بمكان، قال المسناوي: وإذا تقرر الخلاف في أصل القبض وجب الرجوع إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}. وقد حكمت السنة بمطلوبيته في الصلاة بشهادة ما في الموطإ والصحيحين وغيرهما من الأحاديث السالمة من الطعن فالواجب الانتهاء إليها والوقوف عندها والعمل بمقتضاها. نقله العلامة بناني. وقال التتائي: لم يذكر المصنف من علل الكراهة كونه مخالفا لعمل أهل المدينة. انتهى. قال مؤلفه عفا الله عنه: ويكفي هذا شاهدا للمصنف.