ولما فرغ من الجنايات التي رتب الشارع عليها عقوبة معلومة مع تساوي الناس فيها، شَرَعَ فيما ليس فيه عقوبة معلومة بل يختلف باختلاف الناس فيها وأقوالهم وأفعالهم، فقال: وعزَّرَ الإمام التعزير لغة نوع من الضرب، والمراد به هنا ما يعم العقوبة بضرب وحبس ولوم وغير ذلك؛ يعني أن التعزير أي التأديب أمره إلى الإمام. قال البناني: فرق القرافي بين التعزير والحد بستة أشياء، وهي أن الحد مقدر والتعزير بالاجتهاد، وأن الحد تجب إقامته بخلاف التعزير وأن الحد تعبد فمن سرق ربع دينار أو مائة ألف دينار وَاحِدٌ، والتعزير بحساب الجناية وأن الحد في مقابلة المعاصي والتعزير يكون لغير المكلف وللبهيمة والمجانين، وأن الحد لا يسقط بالتوبة إلا حد الحرابة والتعزير يسقط بها، وأن الحد يقام وإن لم يُوَثِرْ، والتعزير يسقط لعدم تأثيره. انظر المواق. انتهى.

وقال المواق من المدونة: أما النكال والتعزير فيجوز فيه العفو والشفاعة وإن بلغ الإمام، ثم ذكر عن القرافي ما عزاه له البناني إلى أن قال: والحد يقام وإن لم يؤثر، بخلاف التعزير فإن اليسير يسقط لعدم تأثيره والكثير يسقط لعدم موجبه. قاله ابن العربي. وقال عبد الباقي: وعزر الإمام أو نائبه أو السيد لعبده في مخالفته للَّه أوله أو الزوج للنشوز أو والد لصغير فقط أو معلم. انتهى.

قال الرهوني: قول الزرقاني: ووالد الصغير فقط احترز به من والد الكبير فليس له أن يؤدب. وعَوَّل الزرقاني في ذلك على ما لابن شأس وابن الحاجب، إذ قال: ويؤدِّب الأب والمعلم بإذنه الصغير لا الكبير. انتهى. وقد نقل ابن عرفة كلام ابن شأس وقبله ولم يعترض كلام ابن الحاجب، ونص ابن عرفة: ابن شأس: والأب يؤدب ابنه الصغير دون الكبير ومعلمه بإذنه، قلت: لأن ترك تأديبه يكسبه فسادا. انتهى منه بلفظه. لكن في التوضيح عقب كلام ابن الحاجب السابق ما نصه: هكذا قال ابن شأس: وظاهر قول مالك في الذي شتمه خاله أو عمه أو جده لا أرى عليه في ذلك شيئا إذا كان على وجه الأدب؛ لأن للأب ونحوه تأديب الكبير.

وقد طعن أبو بكر رضي اللَّه عنه في خاصرة عائشة رضي اللَّه عنها ورأسه صلى اللَّه عليه وسلم في حجرها وكذا مخاطبته لعبد الرحمن في حديث الضيفان. انتهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015