والاِنْقِيَادُ لشَرْعِهِ الكَريم واتِّبَاعُ صِرَاطِهِ المُسْتَقِيمِ نَجَاةٌ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وضِدُّ ذلك -والعياذ باللَّه تعالى- حسرةٌ وندامةٌ وذلة وصغار في الدنيا ويوم القيامة، وضرر ذلك إنما هو على العاصي -حفظنا اللَّه من موجبات سخطه- فمن وقع -والعياذ باللَّه تعالى- في المهواة التي لا انجبار لها بسَبِّ من شرفه اللَّه واصطفاه، قتل من غير استتابة إن كان مسلما، وإنما لم تقبل توبته لأنا لا نصل إلى العلم بذلك لأن لسانه لم ينطق بذلك إلا وهو معتقد له؛ إذ لا يتساهل في هذا أحد، فلهذا قال: ولا تقبل توبته كالزنديق، وقد انعقد الإجماع على أن سابَّ النبي صلى اللَّه عليه وسلم المنقص له كافر، قالوا: ومن شك في كفره وعذابه كفر، قال بعض الأئمة: لا أعلم أحدا من المسلمين اختلف في قتله إذا كان مسلما، وسواء سبه أو عابه أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرَّض به أو أزرى عليه أو صغر شأنه أو دعا عليه أو نسب إليه على طريق الذم أو عَيَّرَه بشيء مما جرى عليه في ذات اللَّه تعالى، وهذا كله الإجماع فيه من العلماء. انتهى.
وفي ابن سلمون: الاستخفاف بالرسل من الأمور المتفق على التكفير بها نقله عن ابن رشد. وقال عياض: قال أبو بكر بن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن من سب النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقتل، وممن قال ذلك مالك ابن أنس والليث وأحمد وإسحاق وهو مذهب الشافعي. قال القاضي أبو الفضل: وهو مقتضى قول أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه: ولا تقبل توبته عند هؤلاء، وبمثله قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وأهل الكوفة والأوزاعي في المسلم، ولكنهم قالوا: هي ردة وروى مثله الوليد بن مسلم عن مالك، وحكى الطبري عن أبي حنيفة وأصحابه مثله فيمن تنقصه صلى اللَّه عليه وسلم أو برئ منه أو كذبه. وقال سحنون فيمن سبه: ذلك ردة، وعلى هذا وقع الخلاف في استتابته وتكفيره، وهل قتله حد أو كفر؟ ولا نعلم خلافا في استباحة دمه بين علماء الأمصار وسلف الأمة، وقد ذكر غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره. وقال محمد بن سحنون: أجمع العلماء على أن شاتم النبي صلى اللَّه عليه وسلم المتنقص له كافر وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه فقد كفر. انتهى.