وقال عبد الباقي: ولو شهد اثنان على شخص أنه قتل، ثم قال: ومفهوم اثنين أنه إن شهد واحد على آخر أنه قتل عمدا أو خطأ ودخل في جماعة حلف أولياؤه خمسين يمينا أن واحدا من هؤلاء الجماعة قتله، ويستحقون الدية على الجميع، ولا ينافي أنه إنما يقسم على واحد تَعَيَّنَ لها كما يأتي؛ لأن ذلك بالنسبة للقتل وهذا بالنسبة لأخذ الدية. انتهى. قوله: فإن شهد واحد حلف الأولياء خمسين يمينا أن واحدا من هذه الجماعة قتل وأخذ الدية من الجميع؛ يعني بعد حلفهم أو نكولهم وإلا فعلى الناكل كما سبق في الشاهدين. واللَّه أعلم. قاله البناني.
وإن انفصلت بغاة عن قتلى ولم يعلم القاتل المراد بالبغاة هنا قتال المسلمين بعضهم لبعض لأجل عداوة أو عادة ولو كان تحت طاعة إمام، وقول التتائي: خرجوا عن طاعة الإمام ليس بلازم؛ يعني أنه إذا انفصل بغاة أي انصرفوا وتكشفوا عن قتلى ولم يعلم القاتل لهم أي لم يدر من هو، فإنَّ الشيوخ اختلفوا في فهم المدونة هل لا قسامة في تلك القتلى ولا قود؟ أي لا قصاص، وأصل هذا لمالك، وأبقاه بعضهم على ظاهره، وإبقاؤه على ظاهره تأويل وإبقاؤه على ظاهره هو معنى قول المصنف: مطلقا سواء ادعى المقتول دمه عند أحد أم لا، قام له شاهد من غير البغاة أم لا، وإذا قلنا بأنه لا قسامة ولا قود، قال عبد الباقي والخرشي: يكون هدرا، قال البناني: ونقله بعضهم عن أبي الحسن في شرح الرسالة، ونقله مصطفى عن الفاكهاني، واعترضه مصطفى قائلا: لم أقف على من صرح به من أهل المذهب ممن يعتمد عليه، والذي حمل عليه عياض والأبي قول المدونة: لا قسامة في قتيل الصفين أن فيه الدية على الفئة التي نازعته وإن كان من غير الفئتين فديته عليهما، فقول المصنف: "لا قسامة ولا قود" يعني وتكون الدية على الفئة التي نازعته، كما حملت المدونة على ذلك لا أنه هدر. انتهى قول البناني عن مصطفى.
والذي حمل عليه عياض والأبي قول المدونة الخ، قال الرهوني: هذا هو الذي يجب التعويل عليه لأنه المصرح به في الموطإ وسلمه الباجيُّ ولم يحك فيه خلافا، وهو الذي نقله ابن يونس نصا ولم يحك خلافه، ونص الموطإ قال مالك في جماعة من الناس اقتتلوا وانكشفوا وبينهم قتيل أو جريح لا يدرى من فعل ذلك به: إن أحسن ما سَمِع في ذلك أن فيه العقل، وأن عقله على القوم الذين نازعوه، وإن كان القتيل أو الجريح من غير الفريقين فعقله على الفريقين جميعا. قال في المنتقى: