يعني أنه إذا وقعت الدعوى الصحيحة بشروطها واستفرغ القاضي كلام المدعي وفهمه حتى لم يبق عنده فيه إشكال ولا احتمال، يأمر المدعى عليه بالجواب، وهو إما إقرار أو إنكار، فإن أجاب بالإقرار فإن القاضي ينفذ عليه الحكم، وهذا هو معنى قول الفقهاء: أقر الخصم فارتفع النزاع، ومعنى قوله: إن يبتغ الإشهاد لخ، أنه إذا أقر المدعى عليه بالحق وأراد ذو الحق أي المدعي الإشهاد على إقراره خوف الإنكار، فاقبلْ ذلك منه أيها القاضي، أي أجبه إليه.
وأعذر، يعني أن القاضي يجب عليه أن يعذر إلى من توجه عليه الحكم من الخصمين، قال المواق عن المتيطي: والإعذار المبالغة في العذر، يقال: أعذر الرجل أي أتى بعذر صحيح، ومنه المثل: من أنذر فقد أعذر. أي بالغ في العذر من تقدم إليك فأنذرك، ومنه أعذر القاضي إلى من ثبت عليه حق في الشهود. وقال الشبراخيتي: الهمزة للسلب مثل شكى لي زيد فأشكيته أي أزلت شكواه أي قطع عذره أي لم يبق له عذرا أي قطعت حجته، وليس المراد أثبت عذره. انتهى. وبين المص الإعذار مدخلا عليه باء التصوير بقوله:
بأبقيت لك حجة، والإعذار للمدعى عليه في البينة الشاهدة عليه، وللمدعي في مجرح بينته، فيقول له: ألك حجة تطعن في المجرح لشهودك أو بينة غير هذه؟ ويقول للمدعى عليه: ألك بينة تجرح بها شهود المدعي؟ ويأتي في الشهادات ما يجرح الشهود وقال ابن عرفة: الإعذار سؤال الحاكم من تَوَجَّه عليه موجب الحكم هل له ما يسقطه؟ انتهى. ولو قال: سؤال الحاكم من توجه عليه الحكم عن موجبه هل له ما يسقطه؟ لكان أحسن. قاله الشبراخيتي. وقوله: وأعذر مستأنف، هذا هو المتعين كما يفهم مما قررت. والله سبحانه أعلم. قال الحطاب: واختلف في وقت الإعذار إلى المحكوم عليه، فقيل: قبل الحكم وبه جرى العمل، وقيل: بعد الحكم ذكره في مفيد الحكام، ونقله ابن فرحون في تبصرته. وفي مسائل ابن زرب: ولا تتم قضية القاضي إلا بعد الإعذار. انتهى. وقال عبد الباقي: ثم إن الإعذار مطلقا واجب والحكم بدونه باطل كما قاله أهل المذهب. واعلم أن المشهور أن الإعذار قبل الحكم كما قاله ابن عبد السلام، وفي التحفة أنه المختار. واعلم أنه إن ثبت وقوع الحكم بدون إعذار نقض الحكم، وإن ادّعَي المحكوم عليه عدم الإعذار فإنه لا يتعقب الحكم. قاله الأخوان. وقال غيرهما: يستأنف الإعذار، فإن أبدى مَطْعَنا