خلف من أخذ الأجرة من المصلين من غير كراهة؛ لأنه غير حرام فليست جرحة. قاله في سماع أشهب. ومحل الكراهة في قوله: "وكره عليها" إذا كانت تؤخذ من المصلين، وأما إن أخذت من بيت المال أو من أوقاف المسجد فلا كراهة؛ لأنه من باب الإعانة لا من باب الإجارة. انتهى. وقال الإمام الحطاب: اختلفوا في الأحباس الموقوفة على من يؤذن أو يصلي، فقيل: إنها إجارة، وقيل: إنها إعانة ولا يدخلها الخلاف في الإجارة على الأذان والإقامة.

ويتحصل من كلامهم أن في الإجارة على الصلاة ستة أقوال: التحريم مطلقا، والكراهة مطلقا، والجواز تبعًا للأذان وهو الذي مشى عليه المصنف وهو المشهور، والجواز مطلقا، الخامس رواية علي: لا بأس بها على الفرض لا النفل، السادس ما نقل عن المازري أنَّه حكى قولًا بجواز الإجارة لمن بعدت داره لا لمن قربت. انظر الحطاب. أي لأنه إذا قربت داره فلا مشقة عليه في الحضور، فلا تصح إجارته للإمامة. والله سبحانه أعلم. ابن ناجي: استمرت الفتوى من كل أشياخي القرويين بجواز أخذ من يصلي أو يؤذن من الأحباس الموقوفة على ذلك من غير اختلاف بينهم لما ذكر أنها إعانة، أو لضرورة الأخذ ولولا ذلك لتعطلت المساجد. انتهى. ونقل غير واحد أن الشيخ الولي الصالح الزاهد أبا عبد الله محمدا الدكالي رحمه الله تعالى كان بمدينة تونس في حدود التسعين وسبعمائة، فكان لا ينتسب للخلق ولا يخالطهم لا عامتهم ولا خاصتهم، ولا يحضر الجمعة ولا الجماعة، ولا يصلي مع الناس في الجوامع في جماعة، فرموه بالزندقة، وشنع عليه الإمام الأوحد أبو عبد الله محمَّد بن عرفة أقبح التشنيع، وصار يبحث على امتناعه من الصلاة لماذا؟ فقيل له: إنما امتنع لأخذ الأيمة الأجرة على الصلاة، فزاد بذلك إغلاظا في القول والتشنيع، وتبعته العامة والخاصة في ذلك، فرحل الإمام أبو عبد الله الدكالي إلى المشرق فارا بنفسه فكتب الإمام ابن عرفة كتابا لأهل مصر إلى أن قال لهم فيه يخبرهم بشأنه:

يا أهل مصر ومن في الحكم شاركهم ... تنبهوا لقبيح معضل نزلا

لزوم فسقكم أو فسق من زعمت ... أقواله أنَّه بالحق قد عملا

في تركه الجمع والجمعات خلفكم ... وشرط إيجاب حكم الكل قد حصلا

إن كان شأنكم التقوى فغيركم ... قد باء بالفسق حتى عنه ما عدلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015