ذلك كله أن اعتراض مصطفى حق لا شك فيه، وأن ما أجابوا به عنه لا يدفعه بل يعززه ويقويه، وأما دفع الحق كله أو لا فلا تظهر ثمرة الخلاف فيه إذا لقي الأول، وقد صرح في المدونة بأنه إذا لقيه يرجع عليه بنصف ما دفع، وتظهر الثمرة فيما إذا لقي أحدهما ثالثا فيجري فيه الخلاف المذكور لكن تخريجا لا نصا. هذا تحقيق القول في هذه المسألة فشد يدك على هذا التحرير فإنه من فتح العليم الخبير، ولا تغتر بما قاله العالم النحرير واعتمده (خير (?) ما جد) شهير، فإن الفضل بيد اللَّه يؤتيه من يشاء واللَّه الموفق اهـ بتغيير قليل.
ولما أنهى الكلام على ما هو المعظم بالقصد وهو ضمان المال شرع يتكلم على ما يشبهه وهو ضمان الوجه عاطفا له على قوله: "وصح من أهل التبرع"، فقال: وصح بالوجه يعني أن الكفالة بالوجه تصح، ومعناها أن يتكفل له أن يحضر وجه المدين أي ذاته، بأن يقول له أنا ضامن لك أن آتيك بزيد, قال عبد الباقي: وصح الضمان بالوجه أي بإحضار الوجه ففيه حذف مضاف والباء للملابسة أي متلبسا بالوجه، وأراد به الذات مجازا من إطلاق اسم البعض على الكل، ومثل الوجه غيره من الأعضاء، ففي الشامل: وجاز بوجه والعضو المعين كالجميع. اهـ.
وضمان الوجه، قال في توضيحه عبارة عن الإتيان بالدين وقت الحاجة، ولا يدخل فيه ضمان الطلب كما فهم أحمد من أنه غير مانع لذلك؛ لأن ضمان الطلب طلبه بما يقوى عليه فليس الإتيان جزئيا له ولا لازما له، ثم إنه إنما يصح ضمان الوجه حيث كان على المضمون دين لا في قصاص، ولذا حذفه هنا وزاده في ضمان الطلب، والفرق أيلولة الوجه للمال في بعض أحواله والطلب طلب إحضاره. انتهى. وتأمل هذا فسيأتي للمص: "وغرم إن فرط أو هربه" وقال الخرشي: والمعنى أن الضمان يصح بالوجه وإذا لم يأت بالضمون فإنه يغرم ما عليه وهو عبارة عن الإتيان بالغريم الذي عليه الدين وقت الحاجة ولا اختلاف في صحته عندنا، ثم قال: والمراد بالوجه الذات. اهـ. وقال الشارح: ولا خلاف فيه أي في ضمان الوجه عندنا. ابن عبد السلام: ويحكي غير واحد الإجماع أن ضمان الوجه صحيح. انتهى.