الأجل الذي أنظره إليه، أو يعلم فينكر، أشار إلى الوجه الأول بقوله: أو الموسر إن سكت يعني أن رب الدين إذا أخر المدين الموسر شهرين -مثلا- وسكت الضامن بعد علمه بذلك التأخير مقدار ما يرى عرفا أنه رضي ببقائه على الضمان، فإن الضامن يلزمه ذلك التأخير أي يلزمه بقاؤه على الضمان مع التأخير المذكور، قال عبد الباقي: أو تأخير ربه المدين الموسر يلزم الضامن بقاؤه على الضمان إن سكت الضامن بعد علمه بالتأخير مقدار ما يرى عرفا أنه رضي ببقائه على الضمان والشرط راجع للثانية، والظاهر أنه لو سكت وادعى الجهل يعذر به؛ إذ ليس هذا مما لا يعذر فيه بالجهل.
وعطف على "سكت" الوجه الثاني في كلام ابن رشد فقال: أو لم يعلم إن حلف أنه لم يؤخره مسقطا يعني أن رب الدين إذا أخر المدين الموسر مدة ولم يعلم الحميل بالتأخير حتى حل الأجل الثاني بأن انقضت المدة المذكورة والحال أن الغريم قد أعسر، فإن الضمان يلزمه بقاؤه ولا يكون تأخير رب الدين المذكور إبراء له بشرط أن يحلف رب الدين أنه لم يؤخر المدين مسقطا للضمان عن الضامن ويؤخذ الحق من الضامن عاجلا، فإن نكل سقط الضمان.
وعلم مما قررت أن الموضوع أنه أخره وهو موسر ثم حل الأجل الثاني وهو معسر، وهذا الذي قررت به المص هو الذي قرره به غير واحد كالأجهوري ومن تبعه، ورد عليه التاودي بأن محل قول ابن القاسم هذا إذا كان الغريم موسرا عند الأجلين، فلو كان موسرا يوم حل الأجل الأول ثم أعسر الآن لم يكن له على الحميل شيء؛ لأنه فرط في حقه حتى تلف مال غريمه ولم يعلم الكفيل فيعد راضيا. نقله عن الحطاب عن اللخمي. ورد ذلك الرهوني وقال: إن الصواب ما قاله الأجهوري ومن تبعه لا ما قاله اللخمي وإن سلمه الحطاب، وقال: فيه نظر من وجهين: أحدهما أنه لا تظهر ثمرة لصحة الحمالة مع يسر الغريم عند حلول الأجل الثاني إلا أن يكون غائبا إذ لا يطالب على مذهبه إن حضر الغريم موسرا، ثانيهما: أن ما قاله مخالف لظاهر قول ابن القاسم في سماع يحيى، ولصريح قول مالك في رسم الأقضية من سماع القرينين من كتاب الحمالة، ثم قال بعد جلب النقل ما نصه: فكلام ابن رشد صريح في أن الغريم معسر كما قاله الأجهوري ومن تبعه. اهـ المراد منه.