من شاء منهما اتفاقا مع قيام الطعام بيد الكفيل أو فواته، فإن غرم الأصل كان له الرجوع على الكفيل بطعامه أو مثله إن استهلكه، أو بثمنه إن باعه إن شاء أخْذَ الثمن، ولا يجوز للطالب أن يبيعه بذلك القبض إن كان قائما ولا أخذ ثمنه إن باعه؛ لأن ذلك بيع الطعام قبل قبضه، فإن أخذ منه الطالب مثل طعامه بعد أن باع ما اقتضاه كان الثمن سائغا له، فإن أراد الأصل أن يدفع له مثل ما غرم من الطعام ويأخذ منه الثمن فليس له ذلك.
الرابع إذا اختلفا في صفة القبض الكفيل يدعي أنه قبضه على معنى الرسالة، والأصل يقول بل على معنى الاقتضاء، فقد اختلف فيه المذهب على قولين قائمين من المدونة أحدهما: أن القول قول الأصل وهو قول ملك في كتاب القراض حيث قال: إذا قال القابض قبضته على معنى الوديعة، وقال رب المال: بل قرضا إن القول قول رب المال، والثاني: أن القول قول القابض وهو قول أشهب وغيره وظاهر المدونة في غير موضع.
وسبب الخلاف تعارض أصلين أحدهما أنهما قد اتفقا على أن المال المقبوض للدافع ولا شيء فيه للقابض وهو قد أقر بقبضه ثم ادعى ما يسقط الضمان عنه، فكان الأصل أن لا يقبل، والأصول موضوعة على أن وضع اليد في مال الغير بغير شبهة توجب الضمان، وبهذا قلنا القول قول الأصيل، والأصل الثاني أن الأصل في الحظر والإباحة إذا اجتمعا أن يغلب حكم الحظر والكفيل هاهنا قد ادعى قبضا صحيحا والأصيل قد ادعى قبضا فاسدا، فوجب أن يكون القول قول القابض الذي هو الكفيل؛ لأنه قوله قد أشبه وقد ادعى أمرا مباحا، والأصيل قد ادعى الفساد لأن الكفيل لا يجوز له قبض الطعام من المكفول، وإنما عليه مطالبته ليدفعه إلى الطالب لكي يبرأ من الكفالة، فإذا ادعى عليه أنه قبضه على الاقتضاء فقد ادعى أمرا محظورا، فوجب أن لا يصدق.
قال مقيد هذا الشرح عفا اللَّه تعالى عنه: قوله والأصل الثاني أن الأصل في الحظر والإباحة إذا اجتمعا أن يغلب حكم الحظر، صوابه حكم الإباحة قطعا، وهذا إنما يحمل على تحريف الناسخ لا على المؤلف. واللَّه تعالى أعلم.
الخامس: إذا أبهم الأمر وعَرِي عن القرائن وقد مات الكفيل والأصيل، هل يحمل على الرسالة حتى يثبت الاقتضاء أو على الاقتضاء حتى تثبت الرسالة؟ فهذا مما يتخرج فيه قولان. اهـ. ولم