لا أرسل به أي بالحق يعني أنه إذا قبض الضامن الحق من المدين على وجه الإرسال بأن أرسله مع الضامن لرب الدين فتلف، فإن الضمان لا يكون من الضامن وإنما الضمان على المرسل الذي هو المدين وفي حكم الإرسال ما إذا أخذه على وجه الوكالة فتلف قبل أن ياخذه رب الدين فإنه لا ضمان على الوكيل الضامن ولا على المدين قولا واحدا، فهذه خمسة أقسام، ثلاثة منها يضمن فيها الحميل للمدين، واثنان منها لا يضمن فيها الحميل للمدين.
وقوله: "وضمنه إن اقتضاه لا أرسل به"، اعلم أن لرب الدين أن يطلب أيهما شاء كما صرح بذلك الرجراجي وغيره؛ يعني في جميع الأقسام ما عدا توكيل رب الدين للحميل، قال الحطاب: وهذه المسألة في السلم الثاني من المدونة فيمن أسلم في طعام وأخذ كفيلا، ونص كلام الرجراجي لا يخلو قبض الكفيل للطعام من الذي عليه السلم من خمسة أوجه: الأول أن يقبضه على معنى الرسالة فلا يخلو الطعام من أن يكون قائما بيده أو فائتا، فإن كان قائما فالطالب مخير إن شاء اتبع الكفيل وإن شاء اتبع الأصل ولا خلاف في ذلك، وإن فات الطعام فلا يخلو من أن يكون بتلف أو إتلاف فإن كان بتلف فهو مصدق ولا ضمان عليه ويبقى عليه الطلب بطريق الكفالة خاصة، ثم يجري على الخلاف المعهود في الحمالة هل المطالبة على التبدئة أو على التخيير، وإن كان بإتلاف من الكفيل فهو ضامن للأصل مثل ذلك الطعام فإن غرم الكفيل الطعام للطالب فلا تراجع بينه وبين الأصل، فإن غرمه الأصل لرب الدين فإنه يرجع على الكفيل بمثل طعامه أو أخذ ثمنه إن باعه ولا خلاف في هذا الوجه، وإن غرم الكفيل الطعام للطالب بعد أن باع ما أخذ من الأصل فأراد الأصل أن يدفع له مثل ما غرم من الطعام ويأخذ منه الثمن فليس له ذلك.
الثاني أن يقبضه على معنى الوكالة، فإذا قبضه برئت ذمة الأصل قولا واحدا فإن الطالب يجوز له بيعه بقبض الكفيل، فإن تعدى عليه الكفيل بعد صحة قبضه فالعداء على الطالب وقع بلا إشكال.
الثالث أن يقبضه على معنى الاقتضاء إما بحكم حاكم على وجه يصح الاقتضاء بذلك، كما إذا غاب الطالب وحل الأجل وخاف الكفيل إعدام الأصل، وبهذا تأول ما وقع في المدونة من قوله: "قبضه" بحكم قاض، أو يكون قبضه برضى الذي عليه الطعام من غير حكم فالكفيل في هذا الوجه ضامن بوضع اليد على الطعام، وذمته به أو بمثله عامرة حتى يوصله إلى الطالب، وللطالب مطالبة