فتلوم في بعيد الغيبة إن رجي قدومه؛ يعني أن المشتري إذا اطلع على العيب وعجز عن الرد فإنه يعلم القاضي بعجزه عن الرد؛ أي يرفع الأمر إليه في ذلك، فإذا علم بذلك فإن القاضي يتلوم له في البائع البعيد الغيبة حيث كان يرجى قدومه، ومعنى يتلوم له ينتظر بالرد مدة موكولة إلى اجتهاده لعله أي البائع يقدم، ومفهوم قوله: إن رجي قدومه، أنه لو لم يرج قدومه لا يتلوم له، بل يحكم عليه بالرد عاجلا. قال عبد الباقي مفسرا للمص: فتلوم يسيرا في بعيد الغيبة كالعشرة الأيام مع الأمن واليومين مع الخوف إن رجي قدومه لا إن لم يرج قدومه فلا يتلوم له، وأما قريب الغيبة كيومين مع الأمن فهو في حكم الحاضر فيكتب إليه ليحضر، فإن أبى حكم عليه بالرد كالحاضر. انتهى. ونسخة عبد الباقي: أوان، قال وهو ظرف زمان مضاف إلى رجي. انتهى. وهو جواب عن قول الش: الأولى حذف أو، من قوله: أو إن رجي قدومه. انتهى. وكلام المص في معلوم الموضع، وأما إن جهل موضعه فهو قوله:
كإن لم يعلم موضعه؛ يعني أن المشتري إذا اطلع على عيب في المبيع في غيبة بائعه وهو مجهول الموضع فإن الحكم في ذلك كالحكم في بعيد الغيبة فيتلوم له؛ أي لمن لم يعلم موضعه حيث رجي قدومه، لا إن لم يرج قدومه وهو قول ابن القرطبي، ابن سهل: وهو أصوب، ولهذا قال: على الأصح، ومقابله لابن القطان: لا يقضى عليه. انتهى. قال الحطاب عند قوله: كإن لم يعلم موضعّه على الأصح، الأصح قول ابن مالك القرطبي، والمصحح له ابن سهل. انتهى. والقرطبي نسبة إلى قرطبة.
وفيها أيضا نفي التلوم؛ يعني أن ما تقدم من التلوم لبعيد الغيبة وقع في المدونة في موضع، ووقع في موضع آخر من المدونة: أنه لا يتلوم لبعيد الغيبة، قال في كتاب التجارة لأرض الحرب فيمن أسلم عبده النصراني والسيد غائب: إن كان قريبا نظر السلطان فيه وكتب في ذلك، وإن كان بعيدا بيع عليه ولم ينتظر؛ لأن مالكا قال في النصرانية تسلم وزوجها غائب: إن كان قريبا نظر الحاكم في ذلك خوفا أن يكون قد أسلم قبلها، وإن كان بعيدا أو كان لم يدخل بها تزوجت مكانها ولم ينتظر قدومه ولا عدة عليها، فأسقط في هاتين المسألتين التلوم في بعيد الغيبة، فأنت