وعلم مما قررت أن الاستثناء من المفهوم، فالكلام في الطافح، ولا يصح جعل التردد في المنطوق بجعل الباء بمعنى مع؛ أي إلا أن يكون تمييزه مع سكر فتردد؛ لأنه متى كان عنده نوع من التمييز فلا خلاف في صحة بيعه، وإنما الخلاف في لزومه، والمعتمد عدمه، وكلام المص هنا في الصحة لا في اللزوم؛ لأنه سيذكره. قاله عبد الباقي.
وقال الحطاب: وأما السكران المميز فلا خلاف في انعقاد بيعه، وإنما اختلف الطرق في لزومه، فحكى ابن رشد الخلاف، قال: وقول مالك وعامة أصحابه أنه لا يلزم، وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب، والخلاف الذي أشار إليه هو قول ابن رشد: السكران قسمان: سكران لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة. فلا خلاف أنه كالمجنون في جميع أحواله وأقواله فيما بينه وبين الله وفيما بينه وبين الناس، إلا في ما ذهب وقته من الصلوات، فقيل: إنه لا يسقط عنه، بخلاف المجنون من أجل أنه أدخل السكر عليه، فكأنه تعمد تركها، والثاني: السكران المختلط الذي معه بقية من عقله، فاختلف أهل العلم في أقواله وأفعاله على أربعة أقوال، أحدها: أنه كالمجنون فلا يحد ولا يقتص منه ولا يلزمه بيع ولا عتق ولا طلاق ولا شيء من الأشياء، وهو قول محمد بن عبد الحكم وأبي يوسف، واختاره الطحاوي. والثاني: كالصحيح لأن معه بقية من عقله، وهو قول ابن نافع: أنه يجوز عليه كل ما فعل من بيع وغيره، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة. والثالث: يلزمه الأفعال ولا يلزمه الأقوال، فيقتل بمن قتله ويحد في الزنى والسرقة ولا يحد في القذف ولا يلزمه طلاق ولا عتق، وهو قول الليث والرابع: تلزمه الجنايات والعتق والطلاق والحدود، ولا تلزمه الإقرارات والعقود، وهو مذهب مالك وعامة أصحابه وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب. انتهى. انظر الحطاب.
وقوله: إلا بسكر فتردد، قد علمت أن المعتمد عدم الانعقاد لأن الكلام في الطافح ويحلف أنه ما عقل حين باع، ذكره ابن شعبان: ولا يقال: القول لمدعي العقل؛ لأنه مدعي الصحة؛ لأنا نقول مدعي عدم العقل معه سبب يستند إليه. قاله عبد الباقي. وقال: وإنما لم يصح بيع السكران أو لم يلزم كإقراره وسائر عقوده، بخلاف جناياته وعتقه وطلاقه وحدوده سدا للذريعة؛ لأنا لو فتحنا هذا الباب مع شدة حرص الناس على أخذ ما بيده وكثرة وقوع البيع منه لأدى إلى أنه لا