وابن ناجي بقول الرسالة: وأنت في الأكل بالخيار، قال الإمام الحطاب: ولا شك أن الثاني نص في ذلك، وأما الأول ففيه نظر فتأمله، وفي العتبية: وسئل مالك عن الإتيان إلى الوليمة؟ فقال: أرى أن يأتيها، فقيل له: ربما كان الزحام فيكره ذلك لوضعه، فقال: إن كان الزحام فإني أرى له سعة، فقيل له فيجيب وإن كان صائما؟ قال: نعم أرى أن يجيب أكل أو لم يأكل، قال ابن رشد: قوله أرى أن يجيب أكل أو لم يأكل يريد أن الإجابة تلزمه كان صائما أو مفطرا، فإن كان صائما صلى كما جاء في الحديث أي دعا، وإن كان مفطرا فليس عليه بواجب أن يأكل وإنما يستحب له ذلك ويندب إليه؛ لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأكل فيما روي عنه من قوله: (إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان مفطرا فليأكل وإن كان صائما فليصل) محمول على الندب عند مالك رضي الله عنه، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (إذا دعي أحدكم فليجب فإن شاء أكل وإن شاء ترك)، وأهل الظاهر يوجبون عليه الأكل لظاهر الحديث الأول، وما ذهب إليه مالك من استعمال الحديثين أولى من طرح أحدهما. نقله الحطاب. وقال البرزلي في مسائل الهبة والصدقة: وما يفعل من الأطعمة في بعض الأعراس والولائم والأعياد من طعام رفيع أو حلاوة وقصد الناس بها المفاخرة وعرضه أي الطعام فقط لا أكله، فلا ينبغي أن يحضر فضلا عن أن يكثر من أكله، فإن حضر لضرورة فلا يأكل منه إلا قدر ما تطيب به نفس صاحبه على العادة، ولا يجوز الإفراط في الأكل منه إذ لم يصنع لذلك. انتهى.
وقال قبله: إذا قدم الطعام لضيافة أو لغيرها فلا يأكل منه إلا قدر ما يأتي بين يديه، ولا يتعدى إلى جاره في نصيبه إلا بطيب نفس منه، وكذا إذا كان الطعام كثيرا وأكل أكلا خارجا عن المعتاد لابد له من استئذان رب الطعام ولا سيما على القول إنه لا يملك إلا بالازدراد فلا يأخذ منه إلا ما جرت به العادة من باب تخصيص العموم بالعادة ولا يطعم منه هرا ولا غيرها إلا بإذن ربه، وعلى القول بأنه يملك بالتمكين فيجوز أن يطعم الهر ونحوها ويحتمل أن لا يعطي شيئا من ذلك كله لأنه إنما ملك الانتفاع في نفسه خاصة لا عموم منفعة الطعام في كمال التصرف كما في بعض مسائل الحبس.