الثالث تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة قالوا لمن يارسول الله؟ قال لله ولرسوله وكتابه وعامة المسلمين وخاصتهم (?)). انتهى. قوله: الدين النصيحة أي عماد الدين النصيحة، والنصيحة من نصحت العسل إذا صفيته لأن الناصح بالقول يصفي قَولَه من الغش وقوله لله نصيحة الله تعالى الإيمان به وبما يجب له ويستحيل عليه ويجوز في حقه والتزام تكاليفه والعمل بها على الوجه المطلوب من إخلاص وغيره، وبدأ بالله لأن الدين له حقيقة ونصيحة الله تعالى إنما ترجع للعبد لأن منفعتها له والله تعالى غني عن نصح الناصحين، وقوله: ولرسوله، نصيحته صلى الله عليه وسلم التصديق برسالته والوقوف عند أمره ونهيه ونصرته حيا ببذل المال والنفس دونه، وميتا بالذب عن سنته ونشرها والدعاء إليها والتخلق بأخلاقه الكريمة ومحبة أهل بيته وإكرامهم؛ إذ محبتهم وموالاتهم فرض ومحبة أصحابه وتجنب من ابتدع في سنته والشفقة على أمته. وثنى بالرسول قبل الكتاب لأن الكتاب إنما تلقي بواسطته فنصيحته فرع نصيحة الرسول الآتي به.

وقوله: وكتابه، نصيحة الكتاب التصديق بأنه من عند الله تعالى وأن ما فيه حق وأنه معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفهم معانيه والوقوف عند حدوده وتلاوته على الوجه الذي ينبغي والذب عنه بدفع شبهة الزائغين وتحريف البطلين، وثلث بالكتاب لأنه المتضمن لأحكام الدين وشرائعه، وقوله: وعامة المسلمين، نصيحتهم إرشادهم لصالح دينهم ودنياهم وعونهم على ذلك وتعليم جاهلهم وتنبيه غافلهم والذب عنهم وعن أعراضهم وتوقير كبيرهم ورحمة صغيرهم وسد خلتهم وترك حسدهم وغشهم وجلب النفع إليهم ودفع الضرر عنهم ونصرتهم ظالمين أو مظلومين، والنصرة للظالمين بالأخذ على أيديهم يعني كما في الحديث قدمت نصيحتهم على الخاصة من باب الأسهل في الأغلب وإن سهلت نصيحة الخاصة استحقت التقديم لأهميتها ولتلك الأهمية قدمت في بعض الروايات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015