والأصل في هذا اختلافهم في قول الله عز وجل: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}. الآية. هل المراد بذلك ذبائحهم أو ما يأكلون؟ فمن ذهب إلى أن المراد بذلك ذبائحهم أجاز أكل الشحوم؛ لأنها من ذبائحهم ومحال أن تقع الذكاة على بعض الشاة دون بعض، ومن ذهب إلى أن المراد بذلك ما يأكلون منع، فالأقوال الثلاثة ترجع إلى قولين؛ لأن الكراهة من قبيل الجواز. نقله الشيخ محمد بن الحسن بناني.
وشحم اليهودي هو الشحم الخالص كالثروب وشحم الكلى والقطنة على مثال معدة بالقاف والطاء والنون: التي تكون مع الكروش، وهي ذات الأطباق التي تسميها العامة: الرمانة، لا ما اختلط بعظم أو لحم ولا الحوايا وهي الأمعاء، والباعر: بنات اللبن بسكون الباء بمعنى الأكل؛ أي التي يستفر بها الأكل، والمباعر جمع مبعر موضع البر وهو رجيع ذي الخف والظلف.
وذبح لصليب أو عيسى؛ يعني أن ما ذبح الكتابي للصليب أو لعيسى ولم يقصدوا به التقرب، بل ذبحوه لأنفسهم وذكروا عليه اسم الصليب أو عيسى يكره لنا أن نأكله لأنهم يقصدون إباحته، فهو من طعامهم، ويقصدون به انتفاع من ذكر، (ونهى صلى الله عليه وسلم عن الذبح للجان (?))، فإن قصد به اختصاصها بانتفاعها بالمذبوح كره، وإن قصد به التقرب إليها حرم، ومثل ما ذبح للصليب ما ذبحوه لأعيادهم وكنائسهم ومن مضى من أحبارهم، ولجبريل عليه السلام: وما ذكره المص من الكراهة هو المذهب، وقال ابن لبابة وسحنون: هو حرام نظرا إلى أنه مما أهل به لغير الله تعالى، وذهب ابن وهب إلى جوازه من غير كراهة. قاله الشارح.
وقد علمت مما مر ومما هنا أن ما ذبحوه بقصد التقرب لآلهتهم لا يأكلونه فيحرم علينا أكله؛ لأنه ليس من طعامهم إذ لم يقصدوا إباحته، وهو قوله: وذبح لصنم، وأن ما ذبحوه للصليب أو لعيسى ولم يقصدوا به التقرب بل ذبحود لأنفسهم وذكروا عليه اسم الصليب أو عيسى صلوات الله وسلامه على نبينا وعليه يكره لنا أكله؛ لأنهم يقصدون إباحته فهو من طعامهم، ويقصدون بذلك انتفاع من ذكر. هذا محصل ما نقله العلامة بناني.