سبيله ونصحت لعباده صابرا محتسبا حتى أتاك اليقيق، صلى الله عليك أفضل الصلاة وأتمها وأطيبها وأزكاها، ثم يتنحى إلى اليمين نحو ذراع، ويقول: السلام عليك يا أبا بكر الصديق ورحمة الله وبركاته صفي رسول الله وثانيه في الغار, جزاك الله عن أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، ثم يتنحى إلى اليمين نحو ذراع أيضا ويقول: السلام عليك يا أبا حفص الفاروق ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خيرا. وكره مالك لأهل المدينة الوقوف بالقبر كلما دخل أحدهم المسجد أو خرج، وقال: إنما ذلك للغرباء؛ لأنهم قصدوا ذلك، وليحذر الزائر مما يفعله بعض الجهلة من الطواف بالقبر الشريف على ساكنه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، والتمسح بالبناء وإلقاء المناديل والثياب عليه ومن تقرب العامة بأكل التمر في الروضة وإلقاء شعورهم في القناديل، وهذا كله من المنكرات.
ويستحب أن يزور البقيع والقبور المشهورة فيه ومسجد قباء ويتوضأ من بير أريس ويشرب منها، وهذا في حق من كثرت إقامته وإلا فالمقام عنده صلى الله عليه وسلم أحسن ليغتنم مشاهدته صلى الله عليه وسلم، وقد قال ابن أبي جمرة: لما دخلت مسجد المدينة ما جلست إلا الجلوس في الصلاة وما زلت واقفا هناك حتى ارتحل الركب، ولم أخرج إلى البقيع ولا غيره، ولم أر غيره صلى الله عليه وسلم، وقد كان خطر لي أن أخرج إلى البقيع، فقلت: إلى أين أذهب؟ هذا باب الله المفتوح للسائلين والطالبين والمنكسرين والمضطرين والفقراء والمساكين؛ وليس ثم من يقصد مثله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم ومجد وعظم، ويستحب للحاج تعجيل الأوبة، وأن يستصحب الهدية يدخل بها السرور على أقاربه وحشمه ونحوهم، ولله در ابن عاشر حيث يقول:
وإن ترد ترتيب حجك اسمعا ... بيانه والذهن منك استجمعا
إن جئت رابغا تنظف واغتسل ... كواجب وبالشروع يتصل
قوله: كواجب؛ أتي كالغسل الذي ذكره في باب الغسل، فصفته كصفته، وقوله: وبالشروع أي: في الإحرام.