ذي طوى أو ما كان على قدر مسافتها فإنه يغتسل لدخول مكة بصب الماء مع إمرار اليد بلا تدلك، وهذا الغسل في الحقيقة للطواف بدليل سقوطه عمن لا يطوف من حائض ونفساء، بخلاف غسل الإحرام كما مر، فإذا دخل مكة من غير غسل اغتسل ثم طاف هذا إن جاء نهارا وهو أفضل, فإن جاء ليلا أو في آخر النهار استحب له أن يبيت خارج مكة، فإذا أصبح اغتسل ودخل، وإن اغتسل ثم بات لم يجزه ذلك الغسل، ثم يدخل مكة من كداء: الثنية التي بأعلى مكة يهبط منها للأبطح والمقبرة تحتها، وإن لم تكن في طريقه ما لم يؤد إلى الزحمة وإذاية الناس، فيتعين ترك ذلك، وإذا وصل إلى الحرم، قال: اللهم إن هذا حرمك وحرم رسولك فحرم لحمي ودمي على النار, اللهم أمني من عذابك يوم تبعث عبادك، ومن كان محرما بعمرة قطع التلبية حينئذ, وكذا من كان محرما بحج مفردا أو قارنا وفاته الحج، وأما المحرم بحج ولم يفته الحج فإنه يستمر يلبي إلى أن يصل لبيوت مكة، وقيل إلى الطواف.
وكان بعض السلف يقول عند دخول مكة: اللهم البلد بلدك والبيت بيتك جئت أطلب رحمتك وألزم طاعتك متبعا لأمرك راضيا بقَدَرِكَ، أسألك مسألة المضطر إليك المشفق من عذابك أن تستقبلني بعفوك وأن تتجاوز عني برحمتك وأن تدخلني جنتك. وصحح الشافعية أن دخولها ماشيا أفضل، فإذا دخل مكة ترك كل شغل وقصد المسجد ليطوف بالبيت طواف القدوم إلا أن يخاف على رحله الضياع فليؤوه، واستحب مالك للمرأة الجميلة إذا قدمت نهارا أن تؤخر الطواف إلى الليل، ويدخل المسجد من باب بني شيبة وهو المعروف الآن: بباب السلام، ويدور إليه إن لم يكن في طريقه، فيقدم رجله اليمنى ويقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وسلم، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك. وهذا مستحب لكل من دخل مسجدا أيِّ مسجد كان.
ابن حبيب: ويستحب إذا وقع بصره على البيت أن يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام, اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما ومهابة وتكريما. وأنكر مالك ذلك خوف اعتقاد الجاهل وجوبه. والله أعلم.