وأشار إلى القسم الثاني وهو الذي يؤكل منه مطلقا عطب قبل المحل أو بعده بقوله: عكس الجميع؛ يعني أن جميع الهدايا مما ليس معينا للمساكين، على العكس من المنذور المعين للمساكين فيجوز الأكل منها مطلقا عطب قبل المحل أو بعده، كان جميع هذه الهدايا متطوعا بها أو واجبة، وسواء منها ما تقدم ذكره كواجب لنقص لحج أو عمرة أو فوات، وتعدي ميقات وترك نزرل بعرفة نهارا وبمزدلفة ليلا، ومبيت بمنى ورمي جمار وطواف قدوم وتأخير حلاق، وكهدي فساد على المشهور. وما لم يتقدم ذكره كنذر غير معين فله الأكل منها مطلقا، بلغت محلها أم لا ويتزود كما في التتائي الصغير، ونحوه لأحمد ولا بد أيضا أن لا يجعل غير المعين للمساكين؛ لأنه إذا جعل لهم فهو قوله الآتي: "إلا نذرا لم يعين"، فالنذر المضمون إذا لم يسمه للمساكين ولا نواه لهم يأكل منه قبل المحل إذا عطب لوجوب بدله عليه، وبعد المحل إذا سلم لأن آكله غير معين فهو على سنة الهدايا، وقد قال تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}، والقانع هو السائل كذا فسره ابن عباس، ويقع في اللغة مرادا به من يقنع باليسير، وليس مرادا هنا لعطفه المعتر عليه وهو من يتعرض للسؤال ولا يسأل، فالأول من القنوع بمعنى السؤال، والثاني من القناعة، قال الشاعر:

لمال المرء يصلحه فيغني ... مفاقره أعف من القنوع

فله إطعام الغني والقريب؛ يعني أنه بسبب هذه الإباحة المطلقة أي التي ليست مقيدة بما إذا عطب قبل المحل، ولا بما إذا سلم حتى بلغ المحل، يجوز له أن يطعم الغني والقريب وإن لزمته نفقته، وله أكل الكل والتصدق بالكل وبالبعض بلا حد على ظاهر المذهب، إلا أنه لا يدع الأكل والصدقة لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}.

وكره لذمي؛ يعني أنه يكره أن يطعم ذمي منها أو يتصدق عليه بشيء منها؛ لأنه ليس من أهل القرب، واستثنى مما يؤكل منه مطلقا ما يؤكل في حال دون آخر، وتحته نوعان أشار للأول منهما وهو ثالث الأقسام أي الذي يؤكل منه قبل لا بعد بقوله: إلا نذرا لم يعين؛ يعني أنه إذا نذر نذرا للمساكين ولم يعينه بل كان مضمونا في الذمة، كلله عليه هدي للمساكين، أو لله علي هدي أو بدنة ونواه لهم فإنه لا يأكل منه بعد بلوغ محله. والفدية، عطف على المستثنى أعني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015