منه حتى ترد إليه، فقال: دعها ينشق حلقها. فقال: أَوَلَهَا حلق؟ فقال: ومن أين تصيح؟ فألزمه إبطال ما ذكر من صياحها. انتهى. قول ابن فرحون: ويشكل عليهم ذلك الخ، فيه نظر؛ لأن الأصل منع إخراج شيء من الحرم وخرج ماء زمزم لدليل، وهو إذنه عليه الصلاة والسلام فيه، وبقي ما عداه على الأصل، وأما كراهة إدخال تراب الحل وأحجاره للحرم فما نقلوها عن الشافعية، وإنما نقلوا عنهم ما يجري على قواعد المذهب وهو إخراج شيء من تراب الحرمين وأحجارهما الخ، ولم ينقلوا عنهم كل ما قالوه في مذهبهم، وأما استخفاف مالك شراء كسوة الكعبة فليس مما نحن فيه؛ لأن الكلام في نقل التراب وما ذكر معه، وكذلك جوابه عن حصاة تعلقت به لأن الكلام في تعمد النقل، وفرق بينه وبين من لم يعلم تعلق الحصاة به على أنه ما أنكر إلا صياحها ردا على من تجرأ وأخبر بصياحها من غير دليل، وبالجملة فما قاله ابن فرحون غير وارد.
تنبيه: علم مما مر أن محل حرمة قطع شجر الحرم إذا كان لغير مصلحة؛ بأن كان ليدخره أو يفرغ الأرض منه، وأما لو أراد أن يبني في موضعه أو يغرس فيه فإنه يجوز كما مر.
كما يستنبت، تشبيه في جواز القطع، وهو مفهوم قوله: "ما ينبت بنفسه"؛ يعني أنه يجوز أن يقطع من نبات الحرم ما جنسه يستنبته الناس بالمعالجة، كخس وعناب وعنب وحنطة وذرة ونحوها. وإن لم يعالج؛ يعني أن ما شأن جنسه أن يستنبت في الأرض يجوز قطعه في الحرم وإن نبت بنفسه من غير علاج، اعتبارا بأصله بمنزلة ما توحش من الإنسية، ولا جزاء؛ يعني أن من قطع شجر الحرم الذي يحرم قطعه وهو ما شأنه أن ينبت بنفسه لا جزاء عليه؛ لأنه قدر زائد على التحريم يحتاج إلى دليل، بل يستغفر الله تعالى خلافا للشافعي في إيجاب بقرة في الشجرة الكبيرة، وفي الصغيرة شاة كما روى عن ابن عباس، وأجيب بأن مالكا إمام الحديث ضعفه، وشبه في الحكمين السابقين لشجر حرم مكة وهما الحرمة وعدم الجزاء. قوله: كصيد المدينة؛ يعني أن صيد المدينة يحرم التعرض له كصيد مكة، إلا أن صيد المدينة لا جزاء فيه فيحرم قتله وأكله، ولا جزاء فيه، وإن كان المحرم لها النبي صلى الله عليه وسلم، والمحرم لمكة الخليل