وقال الحطاب أيضا: كل من ذكرنا أنه لا كفارة عليه لظنه الإباحة فالظاهر أنه لا إثم عليه لأنه لم يقصد ارتكاب محرم، وقد قال ابن رشد في آخر سماع عيسى من كتاب الصوم في مسألة من أصبح صائما ثم عزم على السفر فأفطر قبل خروجه، ومسألة من أفطر بعد خروجه متأولا: أظهر الأقوال أن لا كفارة عليه إنما هي تكفير، ومن تأول فلم يذنب وإنما أخطأ، والله تعالى قد تجاوز لأمة نبيه صلى الله عليه وسلم عن الخطإ والنسيان، ووجه قول من يوجب الكفارة في ذلك هو أنه لم يعذره بالجهل إذا كان ذلك عنده من الأمور التي لا يسع جهلها، فإذا لم يعلم فكان يلزمه أن يتوقف حتى يسأل، فإذا لم يفعل فإقدامه قبل أن يسأل يوجب عليه الكفارة، لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. انتهى.

ويزاد على الست: من أكل يوم الشك بعد ثبوت الصوم ظانا الإباحة، كما قدم المصنف بقوله: "وإن ثبت نهارا أمسك وإلا كفر إن انتهك"، وسيأتي أن من بيت الصوم في الحضر ثم سافر بالفعل بعد الفجر وأفطر فلا كفارة عليه، تأول أم لا، حصل منه قبل ذلك عزم على السفر أم لا، وأما من أفطر لإكراه فإنه يلزمه الإمساك كما مر، فإن أفطر بعد زوال العذر أي الإكراه متعمدا فالظاهر أنه تلزمه الكفارة إن انتهك: وإن لم ينتهك بأن تأول أي ظن الإباحة فإنه لا كفارة عليه، هذا هو الظاهر. كما قاله محمد بن الحسن. وقوله: "فظنوا الإباحة"، كان ينبغي له أن يقول: وظنوا الإباحة بواو الحال، بخلاف بعيد التأويل، قد مر عن المصنف أن صاحب التأويل البعيد هو المستند إلى سبب غير موجود: لكنه لا يطرد في جميع المسائل التي ذكرها، وقد ذكر المصنف له هنا خمسة أمثلة، ومعنى كلام المصنف أن صاحب التأويل البعيد يخالف صاحب التأويل القريب في سقوط الكفارة، فإن صاحب التأويل القريب تسقط عنه الكفارة كما علمت، وصاحب التأويل البعيد تلزمه الكفارة ولا ينفعه تأويله، وقوله: "بعيد التأويل"، من إضافة الصفة للموصوف. قاله الشبراخيتي.

كراء ولم يفعل مثال لبعيد التأويل؛ يعني أن من رأى هلال رمضان، فشهد بذلك ولم تقبل شهادته، فظن لرد شهادته أنه لا يلزمه الصوم صبيحة تلك الليلة، فأصبح مفطرا، فإنه لا ينفعه تأويله، وتلزمه الكفارة لبعد تأويله، وقوله: "كراء ولم يقبل"، قد تقدم أن في وجوب الكفارة عليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015