أخو العلم حي خالد بعد موته ... وأوصاله تحت التراب رميم

وذو الجهل ميت وهو يمشي على الثرى ... يعد من الأحياء وهو عديم

العلماء غرباء لكثرة الجهال بينهم، علم بلا عمل كشجرة بلا ثمر، العلم من الله وله، من حجب عنه العلم عذبه الجهل.

واعلم أن ثمرة العلم عند العالم العمل به، والعمل قسمان: عيني كصلاته وصومه، وكفائي كبثه نفعا للعباد، وقد يتعين هذا كما إذا لم يوجد من يقوم به غيره، فإن كان كفاية فقد مر أن الاشتغال به مع صحة القصد أولى من عبادة أخرى لا تتعدى ولا سيما مع كثرة الجهل في العامة وهذا بحسب الظاهر، وإلا فالمعرفة لمن فتح له فيها أعلى، وإذا كانت أعلى كان سببها من العزلة والرياضة أولى، ولابد من النظر في هذا. قاله في القانون.

وقال: وكنت أيام صحبة أستاذنا الإمام أبي عبد الله بن ناصر رحمه الله تعالى تنازعني نفسي إلى التجرد والسياحة وترك التعليم، وكان لا يرى ذلك، فقلت له ذات يوم: أيهما أفضل العلم أم المعرفة؟ قال: المعرفة، قلت: فلم لا نشتغل بأسبابها؟ قال: المعرفة قسمة من قسم له شيء يأتيه، وما رأيت في هذا الزمان أفضل من تعليم العلم، وكنت مرة بمدينة فاس أيام رشيد بن الشريف فكنت أدرس وأخذ الجوائز وأركب إليه وآكل من طعامه وألبس كغيري، فضاقت نفسي من ذلك وهممت أن أفر بنفسي وأسيح في الأرض وأدع العيال لخالقهم جل وعلا، فذكرت ذلك لشيخنا أبي محمد عبد القادر بن علي الفاسي، فقال: لو كان ذلك بحالة صحيحة أمكن، ولكن يخشى أن تكون فيه شهوة فلا تربح فيه فأمسكت عن ذلك، ومعنى ما أشار إليه أن العبد إذا تحرك لله تعالى كان عبدًا لله تعالى فأعانه وكفاه، وإذا تحرك لنفسه كان عبد نفسه فيوكل إليها ويهلك معها، وبسط هذا الكلام أن العبد إذا تحرك لأداء فريضة تعينت شرعا أو ترك محرم فقد علم أنه تحرك لله: لأن الله تعالى هو الذي حتم عليه ذلك الفعل أو الترك، وإن تحرك لحالة لا يظهر وجوبها شرعا ولكن يراها أفضل من حالته الوقتية فهو لا يدري أباعثه أمر الله وهو كونه تعالى طلب منه الحالة الفضلى، -وإن لم يكن وجوب- أم باعثه شهوة نفس فيكون عبد نفس، ومثال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015