وقد مر جلوس التلميذ بين يدي الشيخ -أعني صاحب الدرس- فإن كان معه كتاب أمسكه معه ولا يطرحه في الأرض، ثم لا يقرأ حتى يأذن له الشيخ ولا يقتصر حتى يأمره، وليس لغيره أن يقول له: اقتصر إلا بإذن الشيخ، فإن اقتصر الشيخ لتعب أو ملل أو غرض فليقتصر هو ولا يزاحم الشيخ، وعند استفتاحه للقراءة يحمد الله تعالى ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، ويترحم على مصنف الكتاب، ثم يدعو للشيخ، فيقول ثلاثا: قال الشيخ رحمه الله تعالى ورضي عنكم يريد شيخه إن كان حاضرا، أو عن إمامنا أو عن شيخنا أو أستاذنا حاضرا كان أو غائبا، أو نحو هذا من العبارات، وقد قال العلماء: إن الطالب إذا لم يعرف هذه الآداب الاستفتاحية ونحوها فعلى الشيخ أن ينبهه عليها لأنها متأكدة: وينبغي لكل من الطلبة أن ينصح إخوانه ويحبهم ويحب لهم الخير، ويؤنسهم من وحشة الغربة ودهشة الولوج في تضايق الفهوم، ويشاركهم فيما ظفر به ولا يضن عليهم بفائدة حصلها وقاعدة حررها، عونا لهم ما أمكنه في ذات الله تعالى، فبذلك يزكو علمه ويصلح حاله وتربح تجارته، وإلا لم يثبت له علم، وإن ثبت لم تكن له ثمرة، وقد جرب ذلك عند أهل العلم فصح، وليحذر من المهالك الموبقات وهي أن يحسدهم إرادة الامتياز عليهم، أو يفخر عليهم لنسبة التحصيل إلى عقله ونسيان ربه الفتاح العليم الذي امتن عليه بما حصل من غير حول منه ولا قوة. والله الموفق والمعين.

وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم (?))، (وطالب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر (?))، ويروى: (اطلبوا العلم ولو بالصين، فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم (?))، وقد تكلموا في متن هذا الحديث، فضعفه قوم، وقال آخرون: هو وإن لم يثبت معناه صحيح، وقد اختلفوا في المراد منه، والأظهر أن المراد طلب ما يجب على الإنسان في خاصة نفسه من إيمان بالله تعالى وصفاته وأسمائه، وبرسله وباليوم الآخر، والصلاة بأحكامها والزكاة كذلك على من له مال والحج وسائر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015