وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة حتى اللطمة، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وأحد من أهل الجنة يطلبه بمظلمة حتى اللطمة، قال: قلنا له: كيف؟ وإنما نأتي الله تعالى عراة حفاة غرلا، قال: بالحسنات والسيئات (?)).

وارتحل موسى صلوات الله تعالى وسلامه على نبينا وعليه إلى الخضر، وقد ارتحل الإمام الشافعي إلى إمامنا مالك رضي الله تعالى عنهما بالمدينة فتفقه عليه، وارتحل يحيى بن يحيى وغيره من الأندلس إلى المدينة فأخذوا عن مالك وكذا ابن القاسم وغيره.

واعلم أن للرحلة فوائد كثيرة منها: التخلص عن شواغل الوطن وفتَنِهِ الشرية والخيرية، ومنها: التجرد لأخذ العلم الذي هو شرطه، ومنها: الغربة التي هي عدم مظنة الألفة والخلطة ومعاشرة الناس التي هي إحدى العوائق، ومنها: ما يرجو من ثواب خطواته ومشقته وبركة ذلك في العلم والعمل وعاجلا، وآجلا، ومنها: ما يرجو من اعتناء الشيوخ به أكثر، فإن للغريب والقاصد والوافد من أرض إلى أرض مزيد حق ومنها: -وهو أعظمها- امتحان نفسه ليظهر صدقها، فإن النفس تدعي حب العلم وطلبه والحرص على تحصيلة، وأنها تؤثره على غيره، فإذا أعمل راحلته ونبذ أحباءه وحبائبه، وتصدى لقطع المسافة ومقاساة الجوع والعطش والحر والبرد والغربة والهوان كما قيل:

لا يعدم المرء كنا يستكن به ... وعيشة بين أهله وأحبابهْ

ومن نأئ عنهم قلت مهابته ... كالليث يحقر لما غاب عن غابهْ

وقال غيره:

إذا كنت في قوم عدى لست منهم ... فكل ما علفت من خبيث وطيب

وإن حدثتك النفس أنك قادر ... على ما حوت أيدي الرجال فكذب

والصبر على ذلك تبين صدقها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015