ومثل للمخالفة بقوله: كتنكيس رجليه؛ أي جعلهما موضع رأسه، ويلزم من ذلك أن يكون لغير القبلة، أو على شقه الأيسر فيتدارك فيهما بالحضرة لما في ذلك من مخالفة الندب، فالتدارك في ذلك مندوب -كما مر- واحترز بقوله: "بالحضرة"، عما لو طال الأمر بأن سوي عليه التراب، ويعبر عن ذلك بالفراغ من دفنه فإنه لا يتدارك بل يترك على حاله. قاله ابن القاسم وأشهب وسحنون. قال الشيخ عبد الباقي: وما في كفاية الطالب من جعل الطول بالفراغ من وضعه في قبره غير ظاهر، وقال الشيخ محمد بن الحسن: ما في كفاية الطالب غير صحيح لقول ابن عرفة: سمع موسى: إن ذكروا بعد أن ألقوا عليه يسير تراب أن وضعه على شقه الأيسر لغير القبلة حُوِّلَ لها وبعد فراغ دفنه لم ينبش. ابن رشد: لأن وضعه للقبلة غير واجب. الشيخ: وقاله أشهب وسحنون. انتهى. ولم يقل المصنف: كتنكيس رأسه، ليلاً يحصل به التشاؤم، وفي وصف قوم إبراهيم، قال الله عز وجل: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ}، وكترك الغسل؛ يعني أن الميت إذا دفن بغير غسل، فإنه يخرج من قبره ويغسل ويصلى عليه إن لم يخف تغيره، وكذا لو دفن بغير صلاة، فإنه يخرج إن لم يخف تغيره ويصلى عليه. وكذا لو دفن بغير غسل وصلاة، فإنه يخرج إن لم يخف تغيره ويغسل ويصلى عليه. قال الشبراخيتي والخرشي: أعاد الكاف لأنها للتشبيه، ولا يغني عنها كاف التمثيل. انتهى. والتدارك فيما تقدم بالحضرة وهو مندوب، والتدارك في هذه يكون بعد الفراغ من الدفن ما لم يخف تغير الميت في قبره لوجوبها، فالتدارك فيها واجب -كما نصوا عليه- والله سبحانه أعلم. ودفن من أسلم بمقبرة الكفار، عطف على قوله: "كترك الغسل"؛ يعني أن المسلم إذا دفن بمقبرة الكفار فإنه يتدارك وجوبا بأن ينبش ويدفن في مقابر المسلمين إن لم يخف تغيره، وفي الشارح: أشار بهذا إلى ما رواه محمد بن خالد عن ابن القاسم في غائب يقدم فيجد امرأته النصرانية قد دفنت ولدها منه بمقبرة النصارى: فإن كان بحضرة ذلك ولم يخف تغيره أخرج إلى مقابر المسلمين وإلا ترك، وروى عيسى عنه في نصرانية عرض عليها الإسلام فأجابت، وقالت: كيف أقول؟ فلقنت كلمة الشهادة: فقالتها، ثم ماتت، فدفنت في قبور النصارى، فقال: أرى أن تنبش وتغسل ويصلى عليها وتدفن في مقابر المسلمين، إلا أن تكون قد تغيرت.