وصحة الرواية وحسن الحديث، وقال الحارث بن مسكين سمعته يقول في دعائه اللهم امنع الدنيا مني وامنعني منها، ويروى أنه كان لا يقبل جوائز السلطان، وقال ابن وهب لأبي ثابت إن أردت فقه مالك فعليك بابن القاسم، وسئل أشهب عن ابن القاسم وابن وهب فقال لو قطعت رجل ابن القاسم لكانت أفقه من ابن وهب، وحكى أنه لما عزم على الرحيل من مصر إلى المدينة كانت له زوجة حامل فخيرها بين أن يطلقها أو تبقى في عصمته لعزمه على طول الغيبة فاختارت البقاء، وأنشد عند سفره وقد شق عليها فراقه:
أقول لها والعيس تسرج للنوى ... أعدي لفقدي ما استطعت من الصبر
أليس من الخسران أن لياليا ... تمر بلا نفع وتحسب من عمري
ثم سافر وأطال الغيبة في المدينة يقرأ على مالك إلى أن ولد له ابن وكبر وحج وجاء المدينة فعمد إلى جماعة من أصحاب مالك وفيهم أبوه وسألهم عن عبد الرحمن بن القاسم فقيل له ما تريد به فقال لهم إني ابنه تركني حملا فما رأيته قط فتعرف إليه أبوه وتعانقا يبكيان، وكان يقيم بالاسكندرية أربعة أشهر للرباط ويقيم في الحج ثلاثة أشهر ويجلس للعلم خمسة أشهر، وقال فيه مالك عافاه الله مثله كمثل جراب مملو مسكا وكان يختم القرآن في رمضان مائتي ختمة، وكان عنده من المسائل ثلاثمائة مجلد، ورئي بعد موته فقيل بم نفعك الله فقال بركعات بالإسكندرية فقيل له فالمسائل فقال لا وأشار بيده إني وجدتها هباء.
وأما سحنون فهو عبد السلام بن سعيد سحنون التنوخي صَلَبي أصله شامي، قال محمد ابنه قلت لأبي: أنحن صلبية من تنوخ؟ فقال: وما تحتاج إلى ذلك؟ فلم أزل به حتى قال نعم وما يغني عنك ذلك من الله شيئا إن لم تتقه، وسحنون لقب له سمي سحنونا وهو طائر حديد النظر لحدته في المسائل سمع من ابن القاسم وابن وهب وطالب بن كامل وسفيان بن عيينة وعبد الرحمن بن محمد وحفص بن غياثٍ وأبي داوود الطيالسي وغيرهم، وكان حافظا ثقة اجتمعت فيه خلال قلما اجتمعت في غيره الفقه البارع والورع الصادق والصداقة في الحق والزهادة في الدنيا والتخشن في الملبس والمطعم والسماحة، ولا يقبل من السلطان شيئا وربما وصل أصحابه بالثلاثين دينارا