وكان رحمه الله يأتي المسجد ويشهد الصلاة والجنائز ويعود المرضى ويقضي الحقوق ويجيب الدعوة، ثم ترك الجلوس بالمسجد فكان يصلي وينصرف ثم ترك إتيان المسجد وترك عيادة المرضى وشهود الجنائز فكان أصحابه يأتونه فيعزيهم فسئل عن عذره في التخلف عن المسجد فقال ليس كل أحد يقدر أن يذكر عذره. وحكي أنه سئل حين احتضر، فقال: لولا أنه في آخر يوم من أيام الدنيا ما أخبرتكم كان بي سلس بول فكرهت أن آتي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بتلك الحالة، وكرهت أن أذكر علتي فأشكو ربي، وقيل: إن ذلك بسبب فتق اعتراه في ذات الله في أيام أبي جعفر المنصور ثاني خلفاء بني العباس، ضربه جعفر بن سليمان العباسي وكان أميرا على المدينة لأبي جعفر المنصور بسبب أنه نهاه أن يحدث بحديث: (ليس على مكره طلاق (?))، ثم سأله عنه سائل فحدث به على رؤوس الأشهاد، وقيل: بسبب أنه أفتى بأن أيمان البيعة لا تلزم لأن الحالف مكره وذلك حين قام على المنصور سيدي محمد بن عبد الله الكامل، وقيل بسبب تقديم عثمان على علي. وقد مدت يداه عند ضربه حتى انخلعت كتفاه فلم يكن يقدر أن يرفع يديه ولا أن يصلح رداءه ولما ضرب حمل مغشيا عليه إلى منزلة فلما أفاق قال أشهدكم أني جعلت ضاربي في حل. ولما حج المنصور أرسل إليه جعفرا ليقتص منه فقال أعوذ بالله والله ما ارتفع سوط منها عن جسمي إلا وأنا أجعله في حل في ذلك الوقت لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمع حين الضرب وهو يقول اللهم اغفر لهم فإنهم لا يعلمون، واختلف في مقدار ضربه من ثلاثين إلى مائة وما زاده الله بذلك الضرب إلا عزا حتى كان تلك الضربات حليا حلي به رحمه الله ولما احتضر قال ليعاينن الناس غدا من رحمة الله ما لم يكن لهم على بال، قال عبد الحق عاين من سعة رحمة الله ما أوجب له أن قال هذا القول، وقال يحيى بن يحيى الليثي دخلنا على مالك ونحن مائة وثلاثون فسلمنا عليه فلما فرغنا أقبل علينا بوجهه وقال الحمد لله الذي أضحك وأبكى والحمد لله الذي أمات وأحيا ثم قال أما إنه قد جاء أمر الله ولابد من لقائه تعالى فقلنا له كيف تجدك يا أبا عبد الله فقال أجدني مستبشرا يصحبني أولياء الله وهم أهل