شهاب الزهري شيخه توفي سنة خمس وعشرين ومائة، وأبو حذافة السهمي توفي بعد الخمسين والمائتين رويا عنه حديث الفريعة في سكنى المعتدة، وكتب إليه عبد الله العمري يحضه على العزلة وترك الناس فكتب إليه مالك قائلا: إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق فرب رجل فتح له في الصلاة دون الصوم وآخر في الصدقة ولم يفتح له في الصوم وآخر في الجهاد ولم يفتح له في الصلاة ونشر العلم وتعليمه من أفضل أعمال البر وقد رضيت بما فتح الله لي من ذلك وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه وأرجو أن يكون كلنا على خير ويجب على كل واحد منا أن يرضى بما قسم الله له والسلام. وقال رضي الله عنه: ينبغي لمن خوله الله علما - وكان يشار إليه بالأصابع - أن يضع التراب على رأسه ويعاتب نفسه إذا خلا بها ولا يفرح بالرياسة فإنه إذا اضطجع في قبره وتوسد التراب ساءه ذلك كله، وقال إذا سئل الرجل عن مسألة ولم يجب واندفعت عنه فإنما هي بلية صرفها الله عنه، وقال عليك بمجالسة من يزيد علمك قوله ويدعوك إلى الآخرة فعله، وقال من إذالة العلم أن تنطق به قبل أن تسأل عنه ومن إذالته أن تجيب كل من سألك ولا يكون إماما من حدث بكل ما سمع، وقال إذا ترك العالم لا أدري أصيبت مقاتله ونظمه بعضهم فقال:
ومن كان يهوى أن يرى متصدرا ... ويكره لا أدري أصيبت مقاتله
وقال أستحيي من الله أن أطأ تربة فيها قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحافر دابة فكان لا يركب في المدينة، وقال له رجل أوصني فقال إذا هممت بأمر من طاعة الله فلا تحبسه فواقا حتى تمضيه فإنك لا تأمن الأحداث. وإن هممت بغير ذلك فإن استطعت أن لا تمضيه ولو فواقا فافعل لعل الله يحدث لك تركه، ولا تستحي إذا دعيت لأمر غير حق أن تعمل الحق واقرأ {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} وطهر ثيابك ونقها من معاصي الله وعليك بمعالي الأمور وكبرائها واتق رذائلها وسفسافها فإن الله يحب معالي الأمور، وأكثر تلاوة القرءان واجتهد في الخير واذهب حيث شئت.