وقال من أراد أن يجيب عن كل مسألة فليعرض نفسه على الجنة والنار وكيف يكون خلاصه ثم يجيب، وقال ما شيء أشد علي من مسألة من الحلال والحرام لأن هذا هو القطع في دين الله، ولقد أدركنا أهل العلم ببلدنا وإن أحدهم إذا سئل عن المسألة كأن الموت أشرفت عليه. وسئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها لا أدري، وقال ينبغي أن يورث العالم جلساءه لا أدري حتى يكون أصلا في أيديهم يفزعون إليه إذا سئل أحدهم عما لا يدري قال لا أدري. وقال أشهب رأيت في النوم قائلا يقول لقد لزم مالك كلمة عند فتواه لو وردت على الجبال لقلعتها وهي ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وإذا سمع أحدا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبسه في الحبس حتى يصحح ما قال. ولبعضهم لما رأى هيبة الناس له وإجلالهم:

يدع الجواب فما يراجع هيبة ... والسائلون نواكس الأذقان

أدب الوقار وعز سلطان التقى ... فهو المطاع وليس ذا سلطان

وكان يقام الرجل بين يديه كما يقام بين يدي الأمير وكان كثيرا ما يتمثل بقول القائل:

وخير أمور الدين ما كان سنة ... وشر الأمور المحدثات البدائع

وكان يكره المراء والجدال في العلم ويقول إنه يذهب نور العلم من القلب، وإذا جاء أحد من أهل الأهواء يجادله يقول: يا هذا أما أنا فعلى بصيرة من ربي وأما أنت فشاك فاذهب إلى شاك مثلك فخاصمه ثم يقرأ: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} الآية، وكفاه رضي الله عنه فخرا قوله صلى الله عليه وسلم، (يخرج ناس من المشرق إلى المغرب في طلب العلم فلا يجدون أعلم من عالم المدينة (?))، ولفظ الترمذي: (يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة (?))، وقد فسره الأئمة بمالك، قال سفيان: كانوا يرونه مالكا، قال ابن مهدي: وعنى سفيان بقوله كانوا يرونه التابعين اهـ لأنه الذي انفرد بهذا الوصف عند الإطلاق، ولم يشتهر به غيره، فإذا قيل: هذا قول عالم المدينة، علم أنه مالك. وكفاه فضلا أنه إمام الأئمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015