ولم يدخل معهم فلما أخذوا مجالسهم دخل وجيء بالطعام ولم يؤت بالماء فلما أكلوا جيء بالماء فلما خرجوا سأله عبد الله بن عبد الحكم فقال: أما إعلامي بالمستراح والماء فإنما دعوتكم لأبركم ولعل بعضكم يحتاج لقضاء الحاجة فلا يدري أين يذهب، وأما تركي الدخول معكم للبيت فليلا أقول اجلس هنا يا أبا فلان وهنا يا أبا فلان وقد أنسى بعضكم فيظن أني تركته بغضا فيه، وأما ترك الماء قبل الطعام فلأن غسل الأيدي قبل الطعام من سنة الأعاجم وأما بعده فقد جاء فيه حديث (?) وأول ما جلس لنشر العلم بعد صلاة الظهر وجلس إليه قوم فلما صلى المغرب اجتمع إليه خمسون أو أكثر فلما كان من الغد اجتمع إليه خلق كثير، وكانت له حلقة في حياة نافع وكان شديد التحري في الجواب والتوقير للعلم وخصوصا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في مجلسه شيء من المراء واللغط، وكان رجلا مهيبا إذا أجاب سائله لم يقل له من أين رأيت هذا، وإذا أتى الناس خرجت إليهم الجارية وتقول لهم يقول لكم الشيخ تريدون المسائل أو الحديث؟ فإن قالوا المسائل خرج إليهم فأفتاهم وإن قالوا الحديث اغتسل وتطيب ولبس ثيابا جددا وتعمم وتلقى له المنصبة فخرج بخشوع وجلس عليها ولا يزال يتبخر بالعود حتى يفرغ من الحديث ويقول: ليلني منكم ذوو الأحلام والنهى. ولدغته عقرب يوما في مجلس الحديث ست عشرة مرة فكان يتغير لونه ويصفر ولم يقطع الحديث فلما فرغ المجلس وتفرقوا ذكر له ذلك فقال نعم إنما صبرت إجلالا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن تحريه تقليل المقروء عليه فيقرأ القارئ ورقتين أو ونصفا ولا يبلغ ثلاثا، وقرئ عليه الموطأ مرة في أربعين يوما فقال لهم كتاب ألفته في أربعين سنة قرأتموه في أربعين يوما قلما تفقهون، وكان يقول: ربما وردت علي المسألة فأسهر فيها عامة ليلتي وإذا سئل قال للسائل انصرف حتى أنظر فقيل له في ذلك فبكى فقال: أخاف أن يكون لي من المسائل يوم وأي يوم ت وإذا أكثروا عليه من المسائل قال حسبكم من أكثر أخطأ.