التَّبْوِيبِ وَالتَّفْصِيلِ، وَالتَّرْتِيبِ وَالتَّأْصِيلِ، فَأَسَّسَتْ فِرْقَةُ الْمُعْتَزِلَةِ قَوَاعِدَ الْخِلَافِ، وَنَهَجَتْ مَنْهَجَ الِانْحِرَافِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اعْتَزَلَ عَنْ مَجْلِسِ سَيِّدِ التَّابِعِينَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ رَئِيسُ الطَّائِفَةِ الْمُعْتَزِلَةِ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: كَانَ النَّاسُ فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْفَاسِقِ الْمِلِّيِّ، وَهُوَ أَوَّلُ خِلَافٍ حَدَثَ فِي الْمِلَّةِ، هَلْ هُوَ كَافِرٌ أَوْ مُؤْمِنٌ؟ فَقَالَتِ الْخَوَارِجُ: إِنَّهُ كَافِرٌ، وَقَالَتِ الْجَمَاعَةُ: إِنَّهُ مُؤْمِنٌ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: نَقُولُ إِنَّهُ فَاسِقٌ لَا مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ، مَنْزِلَةٌ بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ، وَخَلَّدُوهُ فِي النَّارِ، فَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اعْتَزِلُوا عَنَّا، فَاعْتَزَلُوا حَلْقَةَ الْحَسَنِ وَأَصْحَابِهِ، فَسُمُّوا مُعْتَزِلَةً، وَسَمَّوْا هُمْ أَنْفُسَهُمْ أَصْحَابَ الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ، لِقَوْلِهِمْ بِوُجُوبِ ثَوَابِ الْمُطِيعِ، وَعِقَابِ الْعَاصِي عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَنَفْيِ الصِّفَاتِ الْقَدِيمَةِ عَنْهُ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَقَفَ عَلَى مَجْلِسِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا إِمَامُ، ظَهَرَ فِي هَذَا الزَّمَانِ جَمَاعَةٌ يُكَفِّرُونَ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ - يَعْنِي بِهِمُ الْخَوَارِجَ، وَجَمَاعَةٌ يَقُولُونَ: لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ مَعْصِيَةٌ، كَمَا لَا يَنْفَعُ مَعَ الْكُفْرِ طَاعَةٌ - يَعْنِي بِهِمُ الْمُرْجِئَةَ، فَمَا تَعْتَقِدُهُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَأَطْرَقَ الْحَسَنُ مُفَكِّرًا فِي الصَّوَابِ، فَبَادَرَهُ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ بِالْجَوَابِ، فَقَالَ: أَنَا لَا أَقُولُ إِنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ مُؤْمِنٌ مُطْلَقًا، وَلَا كَافِرٌ مُطْلَقًا، وَقَامَ إِلَى أُسْطُوَانَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، يُقَرِّرُ مَذْهَبَهُ وَيُثْبِتُ الْمَنْزِلَةَ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ، وَيَقُولُ: النَّاسُ ثَلَاثَةٌ: مُؤْمِنٌ، وَكَافِرٌ، وَلَا مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ، وَهُوَ صَاحِبُ الْكَبِيرَةِ، إِذَا مَاتَ بِلَا تَوْبَةٍ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: اعْتَزَلَ عَنَّا وَاصِلٌ، فَسُمُّوا الْمُعْتَزِلَةَ لِذَاكَ، وَرَفِيقُ وَاصِلٍ فِي الِاعْتِزَالِ وَقَرِينُهُ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ الْمُتَكَلِّمُ الزَّاهِدُ، وَكَانَ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالزُّهْدِ وَالْوَرَعِ وَالدِّيَانَةِ عَلَى جَانِبٍ عَظِيمٍ، حَتَّى إِنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ لَمَّا سُئِلَ عَنْهُ، أَجَابَ السَّائِلَ: لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ رَجُلٍ كَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَدَّبَتْهُ، وَكَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ رَبَّتْهُ، إِنْ قَامَ بِأَمْرٍ قَعَدَ بِهِ، وَإِنْ قَعَدَ بِأَمْرٍ قَامَ بِهِ، وَإِنْ أَمَرَ بِشَيْءٍ كَانَ أَلْزَمَ النَّاسِ لَهُ، وَإِنْ نَهَى عَنْ شَيْءٍ كَانَ أَتْرَكَ النَّاسِ لَهُ، مَا رَأَيْتُ ظَاهِرًا أَشْبَهَ بِبَاطِنٍ، وَلَا بَاطِنًا أَشْبَهَ بِظَاهِرٍ مِنْهُ، انْتَهَى، وَيُرْوَى أَنَّ وَاصِلَ