الْخُصُومِ عَنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ، وَصِحَّةِ النِّيَّةِ وَالِاعْتِقَادَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الْعَمَلُ فِي حَيِّزِ الْقَبُولِ، (وَثَمَرَةُ) جَمِيعِ ذَلِكَ الْفَوْزُ بِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ، وَالظَّفَرُ بِمَا هُوَ كَمَالٌ فِي الْكَوْنَيْنِ. فَفِي الدُّنْيَا انْتِظَامُ أَمْرِ الْمَعَاشِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْعَدْلِ وَالْمُعَامَلَةِ الَّتِي يُحْتَاجُ إِلَيْهَا فِي إِبْقَاءِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ عَلَى وَجْهٍ لَا يُؤَدِّي إِلَى الْفَسَادِ، وَفِي الْآخِرَةِ النَّجَاةُ مِنَ الْعَذَابِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الْكُفْرِ وَسُوءِ الِاعْتِقَادِ، (وَمَسَائِلُهُ) الْقَضَايَا النَّظَرِيَّةُ الشَّرْعِيَّةُ الِاعْتِقَادِيَّةُ، (وَاسْتِمْدَادُهُ) مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالنَّظَرِ الصَّحِيحِ.
(الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ) : مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْقَوَاعِدَ الْكَلَامِيَّةَ مَا رُتِّبَتْ هَذَا التَّرْتِيبَ، وَبُوِّبَتْ هَذَا التَّبْوِيبَ لِتُؤْخَذَ مِنْهَا الِاعْتِقَادَاتُ الْإِسْلَامِيَّةُ وَالْقَوَاعِدُ الدِّينِيَّةُ، بَلِ الْمَقْصُودُ مِنْهَا لَيْسَ إِلَّا دَفْعَ شُبَهِ الْخُصُومِ، وَدَحْضَ نَهْجِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ، فَإِنَّهُمْ طَعَنُوا فِي بَعْضٍ مِنْهَا بِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، فَبَيَّنَ عُلَمَاءُ السُّنَّةِ بِأَنَّ زَعْمَهُمْ عَلَى غَايَةٍ مِنَ الْغَلَطِ وَالذُّهُولِ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ تَأْتِي بِمُحَارَاتِ الْعُقُولِ لَا بِمُحَالِهَا، ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ عُلَمَاءُ السُّنَّةِ بِالْقَوَاعِدِ الْكَلَامِيَّةِ مَعْقُولِيَّةَ مَا أَنْكَرُوا، وَزَيَّفُوا عَلَيْهِمْ مِنْ بِدَعِهِمُ الْفَظِيعَةِ وَنَزَعَاتِهِمُ الشَّنِيعَةِ مَا ابْتَكَرُوا، وَإِنَّمَا أَخَذَ أَهْلُ (السُّنَّةِ) الِاعْتِقَادَاتِ، وَاعْتَمَدُوا مِنَ الْمُعْتَقَدَاتِ، عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ الصَّرِيحَةُ، وَالْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ، وَدَرَجَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ، وَنَهَجَ إِلَيْهِ أَعْلَامُ الْأَئِمَّةِ، مِنَ الرَّعِيلِ الْأَوَّلِ وَمَنْ عَلَيْهِمْ دُونَ سِوَاهُمُ الْمُعَوَّلُ.
(الثَّالِثَةُ) : أَوَّلُ بِدْعَةٍ ظَهَرَتْ بِدْعَةُ الْقَدَرِ، وَبِدْعَةُ الْإِرْجَاءِ، وَبِدْعَةُ التَّشَيُّعِ وَالْخَوَارِجِ، وَهَذِهِ الْبِدَعُ ظَهَرَتْ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي، وَالصَّحَابَةُ مَوْجُودُونَ، وَقَدْ أَنْكَرُوا عَلَى أَهْلِهَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ، ثُمَّ ظَهَرَتْ بِدْعَةُ الِاعْتِزَالِ، وَلَمْ يَزَلِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى النَّهْجِ الْأَوَّلِ، وَلُزُومِ ظَاهِرِ السُّنَّةِ، وَمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إِلَى أَنْ حَدَثَتِ الْفِتَنُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْبَغْيُ عَلَى أَئِمَّةِ الدِّينِ، وَظَهَرَ اخْتِلَافُ الْآرَاءِ، وَالْمَيْلُ إِلَى الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ، وَكَثُرَتِ الْمَسَائِلُ وَالْوَاقِعِيَّاتُ، وَالرُّجُوعُ إِلَى الْعُلَمَاءِ فِي الْمُهِمَّاتِ، فَاشْتَغَلُوا بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَاسْتِنْبَاطِ النَّتَائِجِ، وَتَمْهِيدِ الْقَوَاعِدِ، وَإِنْتَاجِ الْقَضَايَا وَالْفَوَائِدِ، وَأَخَذُوا فِي