الأعلام، أن فلانًا أول من أدخل كتاب فلان إلى البلد الفلاني. وإن الحرمين الشريفين بما خصهما اللَّه تعالى به من عبادة الحج والعمرة، وتضاعف الصلاة وفضل السكنى والمجاورة، صارا مجمعًا للعلم تجبى إليه الكتب والمصنفات من مختلف أرجاء العالم الإسلامي، ويلتقي فيه وعاة العلم ورواته من كل مشرق ومغرب، فيحصل بذلك من النفع والفوائد العلمية ما يتجافى عن الحصر، مما صورته كتب أثبات الأسانيد العلمية، والرحلات، والتواريخ، وتراجم أعلام الحرمين الشريفين من أهلهما والطارئين عليهما.
وبهذا الحبل المكي والمدني، الواصل بين أعلام العالم الإسلامي، اتصل بعض علماء شبه القارة الهندية، فاستفادوا من علماء الحرمين الشريفين ثم عادوا إلى بلادهم فأفادوا. ومن أبرزهم نجمان ساطعان دهلويان، بزغ أحدهما في القرن الحادي عشر، وهو عبد الحق بن سيف الدين بن سعد اللَّه البخاري الدهلوي (ت: 1052 هـ)، وبزغ الآخر في القرن الذي بعده، وهو أحمد بن عبد الرحيم العمري الدهلوي، المشهور بشاه ولي اللَّه (ت: 1176 هـ).
وقد كان لهذين الرجلين رحمهما اللَّه فضل كبير على أهل الهند، في تجديد علوم الشريعة ولا سيما في علوم الحديث التي كان الناس قد عزفوا عن الاشتغال بها، دهرًا طويلًا، وأولعوا بالعلوم العقلية والوضعية.
ولئن كان للشيخ عبد الحق فضل السبق بحكم التقدم الزمني، حيث كان أول من نشر علم الحديث بأرض الهند تصنيفًا وتدريسًا، كما وصفه صاحب نزهة الخواطر في ترجمته، فإن للعلامة شاه ولي اللَّه شهرة لا تدانيها شهرة أحد من أهل تلك الديار، قبله ولا بعده إلى عهدنا هذا، تقررت له من جهة سعة علمه وتبحره في الكثير من الفنون، وتميزه بإعمال آلة الاجتهاد التي أظهرت إبداعًا واضحًا في مصنفاته، وفي آثاره التي تمثلت في كثرة كتبه ونجابة تلاميذه؛ فإن عددًا كبيرًا من أعلام الهند من