وغيرهم، وكان أبو داود سكن البصرة وقدم بغداد وروى كتابه المصنف في "السنن" بها ونقله أهلها عنه، وعرضه على أحمد بن حنبل فاستجاده واستحسنه.
وقال أبو داود: كتبت عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خمس مئة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب، جمعت فيه أربعة آلاف حديث وثمان مئة حديث، ذكرت الصحيح وما يشبهه وما يقاربه، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث: أحدها قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات"، والثاني قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، والثالث قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يكون المؤمن مؤمنًا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه"، والرابع قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن الحلال بين وإن الحرام بين" الحديث.
قال أبو بكر الخلال: أبو داود هو الإمام المقدم في زمانه، رجل لم يسبقه إلى معرفته بتخريج العلوم وبصره بمواضعه أحد في زمانه، رجل ورع مقدم.
وقال أحمد بن محمد الهروي: كان أبو داود أحد حفاظ الإسلام لحديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعلله وسنده في أعلى درجة من النسك والعفاف والصلاح والورع من فرسان الحديث، وكان لأبي داود كم واسع وكم ضيق، فقيل له: يرحمك اللَّه ما هذا؟ قال: الواسع للكتب والآخر لا يحتاج إليه، وقال الخطابي: "كتاب السنن" لأبي داود كتاب شريف لم يصنف في علم الدين كتاب مثله.
وقال أبو داود: ما ذكرت في كتابي حديثًا أجمع الناس على تركه.
وقال إبراهيم الحربي لما صنف أبو داود هذا الكتاب: ألين لأبي داود الحديث كما ألين لداود عليه السلام الحديد، وقال ابن الأعرابي عن كتاب أبي داود: لو أن رجلًا لم يكن عنده من العلم إلا المصحف الذي فيه كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ ثم هذا الكتاب لم يحتج معهما إلى شيء من العلم البتة.