آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوها إلى عشرة أنفس لكل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا على البخاري، فحضر المجلس جماعة من أصحاب الحديث، فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال: لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال: لا أعرفه حتى فرغ من العشرة والبخاري يقول: لا أعرفه، فأما العلماء فعرفوا بإنكاره أنه عارف، وأما غيرهم فلم يعرفوا ذلك منه، ثم انتدب إليه رجل آخر من العشرة فكان حاله معه كذلك، ثم انتدب آخر إلى تمام العشرة، والبخاري لا يزيدهم على قوله: لا أعرفه، فلما فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال: أما حديثك الأول فكذا، والثاني كذا على النسق إلى آخر العشرة، فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه، ثم فعل بالباقين مثل ذلك، فأقرّ له الناس بالحفظ وأذعنوا له بالفضل.
قال أبو مصعب أحمد بن بكر المديني: محمد بن إسماعيل أفقه عندنا وأبصر من أحمد بن حنبل، فقال رجل من جلسائه: جاوزت الحد، فقال أبو مصعب: لو أدركت مالكًا ونظرت إلى وجهه ووجه محمد بن إسماعيل البخاري لقلت كلاهما واحد في الفقه والحديث.
وقال أحمد بن حنبل: ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل، وقال: انتهى الحفظ إلى أربعة من أهل خراسان وذكر منهم البخاري.
وقال رجاء بن مرجئ: فضل محمد بن إسماعيل على العلماء كفضل الرجال على النساء، فقال له رجل: يا أبا محمد كل ذلك؟ ! فقال: هو آية من آيات اللَّه يمشي على ظهر الأرض.
قال محمد بن إسحاق: ما رأيت تحت أديم هذه السماء أعلم بالحديث من محمد ابن إسماعيل البخاري.