وقال الحميدي: قدم الشافعي من صنعاء إلى مكة بعشرة آلاف في منديل، فضرب خباءه خارجًا من مكة، وكان الناس يأتونه فما برحت حتى ذهبت كلها ثم دخل مكة.
وقال المزني: ما رأيت كرم من الشافعي، خرجت معه ليلة عيد من المسجد وأنا أذاكره في مسألة حتى أتيت باب داره، فأتاه غلام بكيس فقال له: مولاي يقرئك السلام ويقول لك: خذ هذا الكيس فأخذه منه، فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد اللَّه ولدت امرأتي الساعة وليس عندي شيء، فدفع إليه الكيس وصعد وليس معه شيء، وفضائله أكثر من أن تحصى، كان إمام الدنيا وعالم الناس شرقًا وغربًا، جمع اللَّه له من العلوم والمفاخر ما لم يجمع لإمام قبله ولا بعده، وانتشر له من الذكر ما لم ينتشر لأحد سواه، سمع مالك بن أنس وسفيان بن عيينة ومسلم بن خالد وخلقًا سواهم كثيرًا، حدث عنه أحمد بن حنبل وأبو ثور إبراهيم بن خالد وأبو إبراهيم المزني والربيع بن سليمان المرادي وخلق كثير غيرهم، قدم بغداد سنة خمس وتسعين ومئة، وأقام بها سنين، ثم خرج إلى مكة، ثم قدمها سنة ثمان وتسعين فأقام بها أشهرًا ثم خرج إلى مصر ومات بها عند العشاء الآخرة ليلة الجمعة، ودفن في يوم الجمعة بعد العصر، وكان آخر يوم من رجب سنة أربع ومئتين وله أربع وخمسون سنة.
قال الربيع: رأيت في المنام قبل موت الشافعي بأيام، أن آدم عليه السلام مات ويريدون أن يخرجوا بجنازته، فلما أصبحت سألت بعض أهل العلم عنه فقال: هذا موت أعلم أهل الأرض لأن اللَّه تعالى علم آدم الأسماء كلها، فما كان يسيرًا حتى مات الشافعي.
وقال المزني: دخلت على الشافعي في علته التي مات فيها، فقلت: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت من الدنيا راحلًا ولإخواني مفارقًا ولكأس المنية شاربًا وبسوء أعمالي ملاقيًا وعلى اللَّه واردًا فلا أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أو إلى