. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر لم يكن جزمًا منه، بل دعا لمصالحهم، وكان أصحابه إذا أمر بشيء غير جازم يراجعونه وكان يتركه برأيهم، ولو كان الأمر مما لا بد منه لما ترك ذلك بسبب اختلافهم، وكان عمر خشي أن يكون ما رآه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شاقًّا عليهم موجبًا لوقوع الفتن بينهم، فلذلك أشار إلى أن تركه أولى، فتركه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وذلك مثل ما مر في أول الكتاب من إرساله -صلى اللَّه عليه وسلم- أبا هريرة بأن يبشر الناس أن من قال: لا إله إلا اللَّه دخل الجنة، فمنعه عمر لئلا يتكلوا فتركه -صلى اللَّه عليه وسلم- على ذلك، وقيل: إن عمر -رضي اللَّه عنه- خشي تطرق المنافقين ومن في قلبه مرض لما يكتب في ذلك الكتاب في الخلوة، وأن يقولوا في ذلك الأقاويل كادعاء الوافضة الوصية وغير ذلك، وقالت طائفة: إن معنى الحديث أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان مجيبًا في هذا الكتاب لما طلب منه لا أنه ابتدأ بالأمر به بل اقتضاه منه بعض أصحابه فأجاب رغبتهم، وكره ذلك غيرهم للعلل التي ذكرناها، كذا قال القاضي عياض في (الشفا) (?) واللَّه أعلم.
وقال البيهقي: قد حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أراد أن يكتب استخلاف أبي بكر، ثم ترك ذلك اعتمادًا على ما علم من تقدير اللَّه تعالى، وعلى أنهم لا يجاوزون ذلك، كما قال: يأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر كما يأتي من حديث البخاري وقدمناه في شرح الترجمة، وادعاء الشيعة أن غرضه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان كتابة الوصية لعلي -رضي اللَّه عنه- لا يخلو عن تناقض، إذ هم يقولون: إن استخلافه -رضي اللَّه عنه- ثبت بنص قطعي يوم غدير خم، فلا حاجة إلى كتابة الآن، بل هذه الكتابة ربما ينظر إلى أنه لم تثبت قبل ذلك وصيته وخلافته -رضي اللَّه عنه-، فافهم. والمراد بأهل البيت من كان في البيت حينئذٍ، ولم يرد أهل بيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.