فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقَالَ: "مَا أَنَا بِقَارِئٍ". قَالَ: "فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي. . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله: (فجاءه الملك) الفاء تفسيرية لا تعقيبية.
وقوله: (ما أنا بقارئ) أي: لا أستطيع القراءة ولا أحسنها، ولعل كان لدهشة وروع دخل في قلبه من رؤية الملك، وهيبة ذلك المقام، لا لما يتبادر إلى الأذهان أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان أميًّا؛ لأن الأمية لا تنافي القراءة بتعليم الغير وتلقينه خصوصًا من الفصيح في غاية الفصاحة، وإنما ينافي الكتابة والقراءة من الكتاب، قال في (القاموس) (?): الأمي: من لا يكتب ولم يتعلم الكتاب، وجاء في بعض الروايات: فأعطى جبرئيل بيده صحيفة من حرير مرصعًا بالجواهر، وقال: اقرأ فقال: (واللَّه ما أنا بقارئ، ولا أرى في هذه الصحيفة شيئًا)، وهذا أنسب وأظهر، واللَّه أعلم.
وقوله: (فغطني) بالغين المعجمة وتشديد الطاء المهملة، أي: ضغطني وضمني وعصرني، وفي رواية الطبري (?): (فغتّني) بالتاء المثناة وهما بمعنى، ومنه غطه في الماء بالطاء والتاء، أي: غوصه فيه.
وقوله: (حتى بلغ مني الجهد) روي بالنصب، أي: بلغ الغط أو جبرئيل مني غاية وُسعي، وبالرفع، أي: بلغ الجهد مني مبلغه. وقد يستبعد الوجه الأول بأن البنية البشرية لا يحتمل استيفاء القوة الملكية لا سيما في بدء الأمر، والجواب أن هذا مبالغة في الغط والضغط لا حقيقة، وأن جبرئيل لم يكن على صورته الحقيقية وقوته