وَإنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ. . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فإن قلت: يلزم في قوله: (يستغفر) الجمع بين الحقيقة والمجاز؛ لأن حقيقة الاستغفار لا يتأتى من الحيوانات، فالجواب أن يجعل من باب عموم المجاز بحمل الاستغفار على ذكره باللسان أو اقتضائه بلسان الحال، على أن من المحققين من يحمل تسبيح الأشياء كلها على حقيقة، فليكن الاستغفار كذلك، أو المراد مغفرة اللَّه ورحمته على العالم بعدد كل شخص إرادة اللازم من الملزوم؛ لأن المغفرة لازمة للاستغفار.
قال التُّورِبِشْتِي (?): ووجه الحكمة أن صلاح العالم بالعلم، وما من شيء من الأصناف المذكورة إلا وله مصلحة معقودة بالعلم، وقد كان أبو ذر -رضي اللَّه عنه- يقول: تَرَكَنَا محمدٌ -صلى اللَّه عليه وسلم- وما من طائر يحرك جناحيه في السماء إلا قد أَذْكَرَنا علمًا منه، فكتب اللَّه على كل نوع منها لطالب العلم استغفارًا جزاءً عنها لعلمه المعقود به صلاحًا.
وقوله: (إن فضل العالم على العابد) كان شيخنا الشيخ عبد الوهاب المتقي المكي -رحمه اللَّه تعالى وأوصل إلينا من بركاته وبركات علومه- يقول: المراد بالعالم ههنا من يصرف جل أوقاته إلى العلم والاشتغال به بالتعليم والتدريس والتصنيف والتفكر في معاني كتاب اللَّه وسنة رسوله نشرًا للعلم وتقويةً وترويجًا للدين، ويكتفي من العبادة بالفرائض والواجبات والنوافل المتأكدة كالرواتب وأمثالها من غير أن يستوعب أقسام النوافل ويشغل أوقاته بها، والمراد بالعابد من حصل العلم ولكنه بعد تحصيله اشتغل بالعبادة، وصرف عموم أوقاته بالعبادة، ويستوعب أقسام العبادات والأوراد والأذكار، قال رحمه اللَّه: ولما كان نفع هذا العالم في دين اللَّه أكثر من العابد كان فضله أعظم وأوفر، وكان يقول: العلم في حكم الغذاء، والذكر في حكم الدواء، يستعمل لدفع