وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ"، وَقَالَ: "إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للعبادة، سميت الحجة سلطانًا لتسلطها على القلوب، ولهذا سميت حجة، من حج: إذا غلب، (فمقتهم) أي: أبغضهم لاتفاقهم وانهماكهم على الشرك والضلال، و (عربهم وعجمهم) بدل من الضمير المنصوب في (مقتهم)، وذلك قبل مجيئه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقوله: (إلا بقايا من أهل الكتاب) وهم الذين ثبتوا على الإيمان بموسى وعيسى -عليهما السلام- ومتابعتهما، ولم يحرفوا كتابهم، ولم ينحرفوا عن جادتهم.
وقوله: (لأبتليك) خطاب من اللَّه للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، أي: لأمتحنك هل تبلغ الرسالة عني، وهل تصبر على إيذاء قومك إياك؟ وأمتحن الخلق بك هل يقبلون رسالتك ويمتثلون أمرك؟
وقوله: (وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء) أي: لا ينمحي أبدًا، بل محفوظ في صدور العالمين، {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42]، وكانت الكتب المنزلة لا تجمع حفظًا، وإنما يعتمد في حفظها على الصحف بخلاف القرآن [فإن حفاظه أضعاف مضاعفة لصحفه] فلا يتطرق إليه الذهاب على ممر الزمان، بل اللَّه تعالى حافظه وواقيه عن التحريف والتبديل، ولم يعتمد على حافظ؛ لقوله تعالى: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، وقال في التوراة: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ} [المائدة: 44]، لا جرم تطرق إليه التحريف والتبديل، أو باقيًا دائمًا مستمرًّا لا ينسخ بالكلية.
وقوله: (تقرؤه نائمًا ويقظان) أي: تجمعه حفظًا في حالتي النوم واليقظة، وقيل: أي يقرأ في يسر وسهولة.