. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الصقالة والكدرة والاستقامة والاعوجاج وأمثالها، فمن رآه في صورة حسنة كما هي فهو من صقالة مرآة قلبه وسلامتها من الخلل على حسب التفاوت فيها، ومن رأى على خلاف ذلك فذلك من خلل ونقصان واقع فيها، وكذلك من رآه راضيًا أو ساخطًا أو ضاحكًا أو باكيًا أو شابًّا أو شيخًا إلى غير ذلك من الاختلافات، فتلك من اختلاف أحواله في نفسه، وليس في الذات اختلاف وتعدد، ففي رؤيته -صلى اللَّه عليه وسلم- ضابطة مفيدة للسالكين يعرفون بها أحوال بواطنهم وقلوبهم في التصفية حتى يعرفوا إلى أيّ حد وصلوا، وأيّ مقام حصلوا، فيعالجوها في التصفية، بل حقيقته -صلى اللَّه عليه وسلم- مرآة مصقلة مثورة يرون صور أحوالهم فيها.
وعلى هذا المعنى يحمل ما وقع في كلام بعض العرفاء أنه قال: رأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كذا وكذا مرة في المنام، فتحققت آخرًا أنه ما رأيت إلا نفسي، فإن هذا الكلام ليس بمعنى أن رؤيته -صلى اللَّه عليه وسلم- خيال محض، ولا يرى كل أحد إلا متخيلة، حاشا من ذلك، بل معناه أن المرئي حقيقته، ولكن مرآة أحوال الرائي ومعيار معرفتها، وعلى هذا القياس قال أهل التحقيق: إذا سمع كلام من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عرض على شريعته المطهرة، فإن وافقها فقد صح وإلا فذلك لخلل في سمعه، كما نقل عن بعض الفقراء أنه رأى في المنام أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال له: اشرب الخمر، فتمحل له تأويلات، فعرضه على بعض مشايخ زمانه فقال: إنما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: لا تشرب الخمر فأخطأ سمعك وسمعت: اشرب، مكان: لا تشرب، هذا الكلام في رؤيته -صلى اللَّه عليه وسلم- في المنام.
أما في اليقظة فقد حكي في ذلك حكايات الصالحين كثيرة بالغة حد التواتر، والمنكر لهذا إما أن يصدق بكرامة الأولياء أو لا، فان كان الثاني فقد سقط البحث معه لأنه يكذب ما أثبته الكتاب والسنة، وإن كان الأول يقال له: إن هذه منها، وعلى ما حققنا