. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للرؤيا موقوف على بيان الحواس الباطنة وحقائقها، وليس هذا الكتاب محل ذلك، والذي يمكن أن يقال مجملًا: إن في الإنسان قوة متصرفة من شأنها التركيب والتفصيل بين الصور والمعاني بعضها مع بعض، فإن استعملها العقل يسمى متفكرًا، وإن استعمل الوهم يسمى مخيلة، وهي في عملها دائمًا من غير انقطاع يقظة ومنامًا، وللنفس الناطقة الإنسانية اتصال معنوي روحاني بعالم الملكوت وصور جميع الكائنات أزلًا وأبدًا.
حاصله في الجواهر المجردة التي تسمى المبادئ العالية عندهم، وإذا حصل للنفس فراغ من الاشتغال بتدبير البدن وبما يتعلق بالعالم ارتسم فيها مما في المبادئ العالية من الصور مما يليق بها من أحوالها، وأحوال ما يقرب منها، ثم قد تليه القوة المتخيلة لما من شأنها المحاكاة والانتقال والتفصيل والتركيب صورًا قريبة أو بعيدة، تارة بالانتقال من النظير بعلاقة المماثلة، وتارة من ضد إلى ضد بعلاقة التضاد فيحتاج إلى التعبير، وقد لا يتصرف فيه المتخيلة فيؤديه كما هو بعينه، فيقع بلا حاجة إلى التعبير، وقد يرد على الحس المشترك صور من الخيال الذي هو خزانة صور المحسوسات مما ارتسم فيه في اليقظة، ولذلك من دام فكره في شيء يراه في منامه، وقد تحدث الصور من بعض الأمراض، فإن الدموي يرى في حلمه الأشياء الحمر، والصفراوي النيران، والأشقر والسوداوي الجبال والأدخنة، والبلغمي يرى المياه والألوان البيض، وهذان القسمان من قبيل أصغاث الأحلام لا يقعان ولا تعبير لهما، هذا تحقيق الفلاسفة للرؤيا، ولبعض الصوفية ممن يقول بعالم المثال تحقيق آخر مذكور في محله، وقد عمل في ذلك الولد الأعز نور الحق في هذه المسألة رسالة مفيدة جدًا، وأتى بما يوضح الحق، واللَّه أعلم.