. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

أقول: لعل مرادهم بكونه خيالًا فاسدًا أنه ليس بإدراك حقيقة، بل شيء مشابه به لا عدم الصحة والاعتبار بالتعبير أو بدونه؛ لأن صحة الرؤيا الصالحة وحقيقتها مجمع عليه عند أهل الحق، وقد نطق به الكتاب والسنة فكأنهم قالوا: إن الرؤيا ليس بإدراك حقيقة، بل هو خيال محض، ومع ذلك له تعبير واعتبار، وحينئذٍ كان الأصوب أن يقال: خيال محض أو نحوه مكان الفاسد أو الباطل.

وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني من الأشاعرة: إن رؤيا المنام إدراك حق بلا شبهة، إذ لا فرق بين ما يجده النائم من نفسه في نومه من أبصاره وسمعه وذوقه وغيرها من الإدراكات، وبين ما يجده اليقظان في يقظته من إدراكاته، فلو جاز التشكيك فيما يجده النائم لجاز التشكيك فيما يجده اليقظان، ولزم السفسطة والقدح في الأمور المعلومة بديهة، وقالوا: لم يخالف الأستاذ في كون النوم ضدًا للإدراك، لكنه زعم أن الإدراك يقوم بجزء من أجزاء الإنسان غير ما يقوم به النوم من أجزائه، فلا يلزم اجتماع الضدين في محل واحد، ولعل الأستاذ قال هذا بطريق المنع، ولهذا لم يعين الأجزاء التي يقوم بها النوم والتي يقوم بها الإدراك، والاحتمال كاف في ذلك.

وقال الطيبي (?): المذهب الحق أن حقيقة الرؤيا خلق اللَّه تعالى في قلب النائم علومًا وإدراكات كما في اليقظان، وهو تعالى قادر عليه، لا اليقظة موجب له، ولا النوم مانع عن ذلك الخلق، وخلق هذه الإدراكات في النائم علامة ودليل على أمور أخر تعرضه في ثاني الحال وهي تعبيرها كالسحاب دليل على وجود المطر، انتهى.

فعلى هذا الرؤيا إدراك حقيقة، وليس بين النوم والإدراك تضاد، وللحكماء تحقيق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015