حَتَّى تَمْتَلِئَ ثِيَابُهُ مِنَ الصُّفْرَةِ، فَقِيلَ لَهُ: لِمَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ؟ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَصْبُغُ بِهَا، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهَا وَقَدْ كَانَ يَصْبُغُ ثِيَابَهُ كُلَّهَا حَتَّى عِمَامَتَهُ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ. [د: 4210، ن: 5085].
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يعني ليس المراد به الخلوق التي فيه زعفران وحمرة، ثم اختلفوا في المراد من قوله: (رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصبغ بها) أن المراد به صبغ الشعر أو صبغ الثوب، ولا يخفى أن الظاهر من السياق أن المراد هو الأول؛ لأنه قد بين صبغ الثياب بعد ذلك بقوله: (وقد كان يصبغ ثيابه) فكأنه قال: كان يصبغ الشعر بل الثياب أيضًا، إلا أن يقال: المقصود من ذلك القول تعميم الثياب بعد بيان صبغها مطلقًا، فكأنه قال: كان يصبغ بها الثياب، ولم يكن شيء أحب إليه منها حتى إنه كان يصبغ بها ثيابه كلها، حتى عمامته، وبقرينة قوله سابقًا: وكان يصفر لحيته بالورس والزعفران، وقال بعضهم: الأشبه أن المراد صبغ الثوب؛ لأنه لم ينقل أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- صبغ شعره وخضب على ما هو المقرر عند الجمهور.
وقال السيوطي في حاشية (الموطأ) (?): وهو أظهر الوجهين، وأما تصفير اللحية فله تأويل أشرنا إليه من أن المراد بالتصفير لطخها وغسلها بها تطهيرًا وتنظيفًا، وأما ما ورد من إنه كان يصبغ بها ثيابه كلها، فإن كان المراد بالصفرة نوعًا من الطيب فلا إشكال، ويجب أن لا يكون المراد بها الخلوق لثبوت الاجتناب عنه كل الاجتناب حتى إنه لم يردّ السلام على من به خلوق، وأخبر بعدم قبول صلاته، ولم يمسّ من به ذلك ونحوها، فيكون المراد به الورس ونحوه، وإن حمل هذا على زمان سابق على زمان