الإمام ولي اللَّه الدهلوي لا شك مع سعة أفكاره وعمق نظره في الكتاب والسنة فله إبداع وابتكار فيما يتناوله من موضوعات لا توجد عند غيره، تدل على ذلك مؤلفاته منها (حجة اللَّه البالغة) و (إزالة الخفاء) وغيرهما.
* * *
كان من وصايا الشيخ عبد الوهاب المتقي للشيخ المحدث أن يجتنب الأمراءَ وأهل الدنيا لئلا يشتغل بوظيفة من وظائف الحكومة، إذ لو حدث هذا لحرم من خير كثير، وأوصاه أن يتعاون مع الناس في أمور الخير، وأن يجتنب أمور الشر، ويختار العزلة بقدر ما يمكن، وقال الشيخ المحدث: قال: سبحان اللَّه، ما أحسن هذا لو كسر أحد قدميه وجلس في زاوية العزلة والخمول فهو على مرتبة في الوصول والقبول، ثم قال: ولكن هذا أمر صعب شديد، ثباتُ القدم فيه بعيد، والأصل في هذا أن يشارك المرءُ الناس ويخالطهم في خيرهم ويجتنب شرهم، فلذلك لم يخالط الملوك، ولم يذهب حين الرجوع من الحج -كما هو عادة بعض الحجاج من أهل الحرص والأمل واللجاج- إلى ديار دكن وبيجافور وبرهان فور ونواحيها مما يجب على الفقراء وأهل هذه الطريقة منه الهرب والنفور، فجاء بحمد اللَّه سالمًا عن الآفات غانمًا بما شاء اللَّه من البركات في وطنه المألوف، أعني: حضرة الدهلي الذي هو مكان الفقراء والمساكين ومسكن العاشقين المحبين، والتزم باب الفقر متوكلًا على اللَّه راجيًا فضله وكرمه في دنياه وأخراه. . . أن الشيخ قد أمرني بالخلوة والعزلة والانفراد، ولكنه قد تساهل في ذلك ملاحظة ونظرًا للاعتبار، ولم يترك جانب الرخصة رأسًا مخافة أن لا يرى في ذلك شدة وبأسًا، فكان هذا العبد الضعيف يمضي أوقاته بما شاء اللَّه من الأعمال والأشغال،